تحت رمال وادي شيص في جبال الحجر بالشارقة، اكتشف فريق علمي نوعًا جديدًا من النمل، ينتمي إلى جنس “كاريبارا”. هذا الاكتشاف، الذي وثقته دورية “جورنال أوف ناتشورال هيستوري”، يمثل إضافة مهمة إلى قائمة النمل في شبه الجزيرة العربية، ويفتح آفاقًا جديدة لفهم التنوع البيولوجي في البيئات الصحراوية. ويحمل النوع الجديد اسم “كاريبارا شارقاهينسِس” تكريمًا لإمارة الشارقة.
هذا النوع من النمل يتميز بأحجامه الصغيرة واستعماره للطبقات السفلية من التربة، حيث يلعب دورًا هامًا في تحلل المواد العضوية وإعادة تدوير العناصر الغذائية. يتمتع النمل من جنس كاريبارا أيضًا بتركيبة اجتماعية فريدة، تتضمن شغالات صغيرة و”جنود” أكبر حجمًا، مما يجعله نموذجًا لدراسة التكيفات التطورية.
اكتشاف النمل “كاريبارا شارقاهينسِس”: أهمية علمية وبيئية
يأتي هذا الاكتشاف في سياق جهود متواصلة لرصد التنوع البيولوجي في دولة الإمارات العربية المتحدة. ووفقًا للدكتور مصطفى شرف، عالم النمل في مركز الذيد للحياة الفطرية، فإن العثور على نوع جديد يعكس أهمية استمرار البحث الميداني في المناطق الصحراوية، التي غالبًا ما تُعتبر فقيرة بالتنوع الحيوي.
يُعد “كاريبارا شارقاهينسِس” الآن ثالث نوع من جنس كاريبارا يتم تسجيله في شبه الجزيرة العربية، بعد “كاريبارا أرابيكا” الذي اكتُشف في اليمن والسعودية، و”كاريبارا فيروزاي” الذي عُثر عليه في وسط وشرق المملكة العربية السعودية. ويشير هذا إلى أن المنطقة قد تكون موطنًا لأنواع أخرى غير مكتشفة من هذا الجنس.
خصائص مميزة ونقاط التقاء مع أنواع أخرى
تتميز هذه النملة بمواصفات مورفولوجية فريدة تميزها عن الأنواع الأخرى المعروفة. تشير الدراسة إلى تشابهها مع نوع “كاريبارا خاميينسِس” الموجود في زيمبابوي، من حيث لون الجسم وضعف الهياكل الصدرية. ومع ذلك، توجد اختلافات واضحة، مثل وجود قرون خلفية جانبية متطورة، وشكل مختلف للشفرة العلوية للفم، وغياب الزائدة السفلية في حلقة البطن الأولى.
ويرى الدكتور عمرو عبد السميع، أستاذ علم الحشرات بجامعة القاهرة، أن هذه الخصائص تجعل “كاريبارا شارقاهينسِس” قطعة مهمة في فهم التطور البيولوجي لهذا الجنس. وأكد على أن تسجيل هذا النوع الجديد يوسع حدود المعرفة حول التوزيع الجغرافي لكاريبارا والروابط النشوئية بين أنواعها المختلفة، مما يوفر بيانات قيمة لدراسات التصنيف والأنثروبولوجيا البيئية.
دور النمل في النظام البيئي الصحراوي
بالإضافة إلى أهميته العلمية، يشير اكتشاف هذا النوع من النمل إلى الدور الحيوي الذي يلعبه في النظام البيئي الصحراوي. فالنمل بشكل عام يلعب دورًا هامًا في تهوية التربة وتوزيع البذور، فضلاً عن مساهمته في تحلل المواد العضوية وإعادة تدوير العناصر الغذائية. هذه العمليات ضرورية لصحة البيئة الصحراوية واستدامتها.
وفي بيئة قاسية مثل الصحراء، تمثل هذه الكائنات الصغيرة جزءًا لا يتجزأ من شبكات التغذية المعقدة. فهي تشكل مصدر غذاء للعديد من الحيوانات الأخرى، وتساهم في الحفاظ على التوازن البيئي. بالإضافة إلى ذلك، فإن قدرة النمل على تحمل الظروف المناخية القاسية تجعله مؤشرًا على صحة البيئة وقدرتها على التكيف مع التغيرات.
الخطوات التالية وأهمية البحث الميداني المستمر
يُتوقع أن يقوم الباحثون بإجراء المزيد من الدراسات لتحديد النطاق الجغرافي الدقيق لهذا النوع، وتقييم حجم المستعمرات، ودراسة سلوكه الغذائي وتفاعلاته مع الكائنات الحية الأخرى في البيئة. كما أن هناك حاجة إلى تطوير خطط لحماية هذا النوع وموطنه، خاصة في ظل التحديات البيئية التي تواجه المناطق الصحراوية.
ويؤكد الدكتور عبد السميع على أهمية الاستثمار في البحث الميداني والدراسات البيئية المصممة بعناية. فالمسوحات المنتظمة وتقنيات جمع العينات الحديثة يمكن أن تكشف عن أنواع جديدة ومخفية، وتوفر بيانات قيمة لصياغة سياسات الحفظ الفعالة. هذا الاكتشاف ليس مجرد إضافة إلى سجلات التنوع البيولوجي، بل هو أيضًا دعوة للاستمرار في استكشاف الطبيعة وحمايتها.
من المتوقع أن يتم نشر المزيد من التفاصيل حول هذا الاكتشاف في الأوساط العلمية خلال الأشهر القادمة، مع التركيز على الجوانب الوراثية والسلوكية لهذا النوع الجديد من النمل. وستظل المراقبة المستمرة للبيئة الصحراوية في الشارقة والإمارات الشمالية ضرورية لتقييم أي تهديدات محتملة والتأكد من استدامة هذا الكائن الحي الهام.



