على مدى عقود، تم تصنيف كوكبي أورانوس ونبتون ضمن فئة “العمالقة الجليدية” نظرًا لتركيبهما الغني بالجليد. لكن دراسة حديثة أثارت تساؤلات حول هذا التصنيف التقليدي، مشيرة إلى أن هذين الكوكبين قد يحتويان على كميات أكبر من الصخور وأقل من الجليد مما كان يعتقد سابقًا. هذا الاكتشاف يغير فهمنا لتركيب الكواكب الغازية ويفتح آفاقًا جديدة للبحث العلمي.

نُشرت الدراسة في دورية “أسترونومي آند أستروفيزيكس” (Astronomy & Astrophysics) وتستند إلى تحليل جديد لبيانات الجاذبية للكوكبين. من خلال استخدام خوارزمية مبتكرة، تمكن الباحثون من استكشاف مجموعة واسعة من الاحتمالات حول التركيب الداخلي لأورانوس ونبتون، بدلًا من الاعتماد على نماذج مسبقة محدودة. هذا الأمر يضيف تعقيدًا إلى فهمنا لهذه الكواكب.

لغز الكواكب والعمالقة الجليدية

يظل ما يحدث داخل الكواكب العملاقة موضوعًا معقدًا، نظرًا لعدم إمكانية الرؤية المباشرة لقلبها. يعتمد العلماء على الأدلة غير المباشرة التي يمكن قياسها من مسافة بعيدة، مثل كتلة الكوكب ونصف قطره، والأهم من ذلك، تفاصيل حقل الجاذبية الخاص به. التغيرات في الجاذبية من مكان إلى آخر تكشف، بطريقة غير مباشرة، عن كيفية توزيع الكتلة داخل الكوكب: هل هي مركزة في القلب أم موزعة في طبقات واسعة.

غالبًا ما تواجه النماذج التقليدية التي تحاول رسم خريطة للداخل صعوبات نتيجة لافتراضات مسبقة. تبدأ العديد من النماذج بقسمة جاهزة للداخل، مثل نواة صخرية محاطة بطبقة جليدية وغلاف غازي، بنسب محددة مسبقًا. ثم تحاول هذه النماذج تعديل الحسابات لتتوافق مع هذه الصورة.

هناك أيضًا نماذج تجريبية بسيطة للغاية والتي قد تتجاهل أو تبسّط سلوك المواد تحت الضغوط والحرارة الشديدة داخل هذه الكواكب. في هذه الظروف، تتغير الخصائص الفيزيائية للماء والغازات والمعادن بشكل كبير. إذا لم تأخذ النماذج هذه الخصائص بعين الاعتبار، فقد تصل إلى استنتاجات سهلة ولكنها غير دقيقة.

تستعرض هذه الدراسة أيضًا تحديات النماذج السابقة في تفسير بيانات الجاذبية بشكل كامل، مما يشير إلى الحاجة إلى أساليب أكثر تطورًا.

خوارزمية جديدة لتحليل التركيب الداخلي

الحل الذي تقترحه الدراسة الجديدة هو دمج المرونة والدقة من خلال طريقة هجينة. بدلًا من فرض طبقات محددة مسبقًا، يبدأ الباحثون بتوزيع كثافة ابتدائي عشوائي لداخل الكوكب، دون تحديد ما إذا كانت المنطقة صخرية أو جليدية أو غازية. تسمح هذه الطريقة بتفادي التحيزات المحتملة.

ثم يحسبون حقل الجاذبية المتوقع لهذا التوزيع، ويقارنونه بالقياسات الفعلية. بعد ذلك، يقومون بتعديل توزيع الكثافة وإعادة الحسابات بشكل متكرر، إلى أن يحصلوا على نماذج تتطابق مع البيانات الرصدية وتكون متسقة مع قوانين الفيزياء. هذه العملية التكرارية تضمن دقة النتائج.

تشير النتائج إلى أنه لا توجد إجابة واحدة قاطعة لتركيب أورانوس ونبتون، بل مجموعة من النماذج المحتملة. هذا التنوع في النماذج يوفر رؤية أعمق حول الاحتمالات الواقعية للتركيب الداخلي.

عندما أُتيحت للخوارزمية فرصة استكشاف الواقع دون قيود، ظهرت مفاجأة: النماذج المقبولة لداخل أورانوس ونبتون تمتد من سيناريوهات غنية بالماء إلى سيناريوهات غنية بالصخور. وهذا يشير إلى أن وصف “العملاق الجليدي” قد يكون تبسيطًا مفرطًا، حيث يوحي بوجود تركيبة داخلية موحدة، في حين أن الواقع أكثر تعقيدًا.

هذا الاكتشاف قد يدفع إلى إعادة تقييم فهمنا لتشكّل الكواكب وتطوّرها، ويسلّط الضوء على أهمية استمرار البحث العلمي في هذا المجال. دراسات أخرى حول الكواكب الخارجية قد توفر مقارنات مفيدة لفهم التنوع في تركيب الكواكب.

من المتوقع أن تتضمن الخطوات التالية مزيدًا من التحسينات في الخوارزمية وإعادة تحليل البيانات الرصدية باستخدام النماذج الجديدة. ستركز الأبحاث المستقبلية أيضًا على جمع بيانات إضافية من خلال مهمات فضائية مخصصة لدراسة الكواكب العملاقة في نظامنا الشمسي، مما سيساعد على تضييق نطاق الاحتمالات وتحديد التركيب الداخلي الدقيق لأورانوس ونبتون.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version