يعزى أصل الألماس إلى عنصر الكربون النقي، كما يعد أكثر المواد الطبيعية صلابة على وجه الأرض، ذلك لأنه يتشكل في ظروف استثنائية تحت ضغط وحرارة هائلين، على عمق يتراوح بين 140 و190 كيلومترا حيث تصل درجات الحرارة إلى 1300-2000 درجة مئوية، وضغط هائل.

بيد أن العلماء لا يزالون يدفعون بحدود الممكن في مجال علم المواد للوصول إلى ما هو أقسى من ذلك، وقد تمكن مجموعة من الباحثين مؤخرا من تحقيق طفرة في تكوين الألماس الصناعي، مما أسفر عن إنتاج مادة فائقة الصلابة ذات بنية بلورية سداسية، تختلف عن البنية المكعبة التقليدية التي تميز الألماس الطبيعي.

وجاء تحقيق ذلك من خلال تعريض مادة الغرافيت لضغط هائل، ثمّ تسخينه إلى 1527 درجة مئوية، والنتيجة كانت ألماسا يفوق الألماس الطبيعي في الصلابة، وهو ما قد يحدث ثورة في التطبيقات الصناعية والتكنولوجية.

ويُعرف هذا النوع من الألماس السداسي أيضا باسم الـ”لونسداليت”، وقد تعرف عليه العلماء لأول مرة قبل أكثر من 50 عاما في مواقع اصطدام النيازك القديمة.

ومع ذلك، ظلت إمكانية استخدامه ضمن النطاق النظري إلى حد كبير، نظرا لصعوبة إنتاج عينات نقية منه، لكن الدراسة الحديثة المنشورة في دورية “نيتشر ماتريالز”، قدمت دليلا قاطعا على تفوق صلابته، كما أنها تمثل خطوة مهمة نحو فهم كيفية تصنيعه في البيئة الملائمة.

وقد أظهرت النتائج أن الألماس الصناعي الجديد يتمتع بصلابة تصل إلى 155 غيغا باسكال، وهو ما يتجاوز بكثير الحد الأقصى لصلابة الألماس الطبيعي، البالغ 110 غيغات باسكال.

الآفاق الصناعية المستقبلية

إلى جانب تحطيمه للأرقام القياسية في الصلابة، يتميز هذا الألماس السداسي بثبات حراري استثنائي، إذ يبقى متماسكا حتى درجة حرارة تصل إلى 1100 درجة مئوية، وهو تحسن ملحوظ مقارنة بما يُعرف بـ”الألماس النانوي”، الذي يتحلل عند 900 درجة مئوية.

وعلى الرغم من أن الألماس الطبيعي يمكنه تحمل درجات حرارة أعلى، فإنه يتطلب بيئة مفرغة من الهواء لتحقيق ذلك، مما يجعل الشكل الصناعي الجديد واعدا بشكل خاص للتطبيقات العملية.

ولطالما شكل نقاء العينات الصغيرة عقبة رئيسة أمام استخدام الألماس السداسي، فإن الباحثين نجحوا الآن في اكتشاف طريقة أكثر فعالية لإنتاجه، وذلك عبر زيادة الضغط أثناء تحويل الغرافيت إلى ألماس. ويفتح هذا النهج آفاقا جديدة لإنتاجه على نطاق واسع، مما قد يجعله عنصرا أساسيا في صناعات مثل الحفر والتنقيب، وصناعة الآلات، وتخزين البيانات.

وهذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها العلماء إنتاج الألماس ذي البنية السداسية في المختبر، ففي عام 2016، نجح فريق بحثي في تصنيعه باستخدام الكربون غير المتبلور، وهو مادة لا تمتلك بنية محددة. لكن الطريقة الجديدة تقدم فهما أعمق لكيفية ضبط وتطوير تكوين هذا الألماس فائق الصلابة، مما يجعله أكثر قابلية للتطبيقات المستقبلية.

ورغم الحاجة إلى مزيد من الأبحاث قبل أن يصبح الإنتاج على نطاق واسع ممكنا، فإن هذا الاكتشاف يمثل قفزة نوعية في علم المواد. ومع استمرار العلماء في تحسين عمليات التصنيع، قد يصبح الألماس السداسي عنصرا أساسيا في الجيل القادم من الأدوات الصناعية عالية الأداء والتقنيات المتقدمة.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.