أثار اكتشاف أجسام بعيدة تُعرف باسم “النقاط الحمراء الصغيرة” جدلاً واسعاً في الأوساط الفلكية، حيث ظهرت هذه الأجسام الخافتة بأعداد كبيرة في صور التلسكوب الفضائي جيمس ويب، مما أثار تساؤلات حول طبيعتها وتكوينها في الكون المبكر. وقد قدمت أحدث الأبحاث، التي أُعلنت في 24 ديسمبر 2025، دليلاً قوياً على أن بعض هذه النقاط الحمراء الصغيرة قد تكون مرتبطة بنمو سريع لثقوب سوداء فائقة الكتلة.
أعلن فريق دولي من علماء الفلك عن رصد ثقب أسود فائق الكتلة ينمو بوتيرة غير مسبوقة داخل مجرة “كانوكس- إل آر دي- زي (CANUCS-LRD-z8.6)”، وهي مجرة مصنفة ضمن فئة النقاط الحمراء الصغيرة. يعود هذا الرصد إلى فترة مبكرة جداً من عمر الكون، حوالي 570 مليون سنة بعد الانفجار العظيم، مما يجعله من بين أقدم الثقوب السوداء التي تم اكتشافها.
ما هي “النقاط الحمراء الصغيرة” ولماذا تثير اهتمام العلماء؟
ظهرت “النقاط الحمراء الصغيرة” لأول مرة في صور التلسكوب الفضائي جيمس ويب، وتميزت بلونها الأحمر الخافت وحجمها الصغير. وقد أربكت هذه الأجسام العلماء بسبب عدم تطابقها مع النماذج الحالية لتكوين المجرات في الكون المبكر. تُعد المجرات المبكرة عادةً أكثر سطوعًا وأكثر انتظامًا في الشكل، بينما تبدو هذه النقاط وكأنها بقايا مجرات بدائية أو هياكل غير مكتملة.
لطالما كان فهم المراحل الأولى لتكوين المجرات والثقوب السوداء تحديًا كبيرًا للفلكيين. تساعدنا دراسة هذه الأجسام البعيدة على إلقاء الضوء على الظروف التي سادت الكون بعد الانفجار العظيم، وكيف تطورت الهياكل الكونية على مر الزمن. تعتبر هذه الاكتشافات جزءًا من جهود أوسع لفهم الكون المبكر وتطوره.
اكتشاف ثقب أسود فائق الكتلة يغير المفاهيم السائدة
اكتشاف الثقب الأسود النامي بسرعة داخل مجرة “كانوكس- إل آر دي- زي” يمثل نقطة تحول في فهم طبيعة النقاط الحمراء الصغيرة. وفقًا للباحثين، يشير هذا الرصد إلى أن بعض هذه الأجسام قد لا تكون مجرد مجرات فتيّة، بل قد تكون مراكز نشطة لثقوب سوداء عملاقة في طور التكوّن. هذه الثقوب السوداء تكون مغطاة بسحب كثيفة من الغاز والغبار، مما يجعلها تبدو خافتة وحمراء في صور التلسكوب.
يعزز هذا الاكتشاف فرضية أن الثقوب السوداء فائقة الكتلة قد تكونت في وقت مبكر جدًا من عمر الكون، وأنها لعبت دورًا حاسمًا في تطور المجرات. تشير الأبحاث إلى أن هذه الثقوب السوداء ربما تكونت من انهيار سحب غازية ضخمة، أو من اندماج ثقوب سوداء أصغر.
ومع ذلك، لا يزال هناك العديد من التفسيرات الأخرى المحتملة للنقاط الحمراء الصغيرة. تشمل هذه التفسيرات انفجارات ولادة النجوم المكثفة، أو سحب غاز مرتبطة بالمادة المظلمة، أو حتى ظواهر كونية جديدة لم يتم اكتشافها بعد.
الآثار المترتبة على فهمنا للكون
يفتح هذا الاكتشاف آفاقًا جديدة للبحث في مجال علم الفلك وعلم الكونيات. إذا كانت النقاط الحمراء الصغيرة مرتبطة بالفعل بنمو الثقوب السوداء، فإن ذلك يعني أننا بحاجة إلى إعادة النظر في النماذج الحالية لتكوين المجرات والثقوب السوداء.
بالإضافة إلى ذلك، قد يساعدنا فهم طبيعة هذه الأجسام على حل بعض الألغاز الكونية الأخرى، مثل أصل الإشعاع الكوني الخلفي، وتوزيع المادة المظلمة في الكون.
يؤكد الباحثون أن هذا الاكتشاف هو مجرد بداية، وأن هناك حاجة إلى مزيد من الدراسات والأبحاث لتأكيد هذه النتائج وفهم الآليات التي تحكم نمو الثقوب السوداء في الكون المبكر. من المتوقع أن يتم استخدام التلسكوب الفضائي جيمس ويب لمواصلة رصد النقاط الحمراء الصغيرة، وتحليل طيف الضوء المنبعث منها لتحديد تركيبها الكيميائي وخصائصها الفيزيائية.
في المستقبل القريب، سيتركز البحث على تحديد عدد النقاط الحمراء الصغيرة التي تحتوي على ثقوب سوداء نامية، وقياس معدل نموها، ودراسة العلاقة بين هذه الثقوب السوداء والمجرات التي تحتضنها. من المتوقع أن تقدم هذه الدراسات رؤى جديدة حول كيفية تطور الكون على مر الزمن، وكيف نشأت المجرات والثقوب السوداء التي نراها اليوم.


