في أعقاب العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة تحولت سماء المنطقة إلى مسرح لتجارب عسكرية إسرائيلية، واستخدمت طائرات مسيرة متعددة المهام لتنفيذ عمليات الاغتيال والقتل والمراقبة المكثفة، مما حول القطاع المحاصر إلى مختبر مفتوح لتجارب عسكرية متطورة.

يسلط هذا التقرير -الذي أعدته وكالة سند للتحقق الإخباري التابعة لشبكة الجزيرة- الضوء على آليات الحرب الجوية التي تنتهجها إسرائيل، ويركز على استخدامها المدنيين في غزة كعينات تجريبية.

ويكشف التقرير -الذي يقوم على تحليل مصادر مفتوحة وتوثيق دقيق- الدور المتنامي للشركات الخاصة في هذا المجال، وكيف أصبحت الطائرات المسيّرة الإسرائيلية سلعة رئيسية في تجارة السلاح العالمية.

كما يظهر تعاونا وثيقا بين القطاعين العسكري والخاص في إسرائيل لتطوير واختبار ونشر طائرات مسيرة مصممة خصيصا للقتل المستهدف والمراقبة والحرب التجريبية.

وتم الترويج لهذا الاستخدام الممنهج لغزة كميدان اختبار علنا في منتديات مثل مؤتمر “يوفيد” (UVID)، حيث تعرض الشركات المصنعة طائراتها المسيّرة بوصفها “مُجرّبة في القتال”، مستغلة دماء الفلسطينيين كأداة تسويقية لجذب المشترين الدوليين.

صناعة الطائرات المسيّرة الإسرائيلية

تمتلك إسرائيل منظومة تصنيع متقدمة للطائرات المسيّرة، وتعمل 30 شركة إسرائيلية على إنتاج 93 طرازا مختلفا، مما يعكس تطورا متسارعا في هذه الصناعة.

وتتراوح هذه الطائرات المسيرة ما بين طائرات المراقبة الصغيرة والأنظمة الهجومية الكبيرة القادرة على تنفيذ عمليات قتالية معقدة، وتشمل طائرات متعددة الدوارات، وطائرات ثابتة الجناح، وأنظمة هجينة للإقلاع والهبوط العمودي “في تي أو إل” (VTOL)، بالإضافة إلى طائرات مروحية ومسيّرات انتحارية، وتشمل الفئات التالية:

  • 38 نوعا من الطائرات متعددة الدوّارات: تُستخدم في الاستطلاع والتتبع التكتيكي والاستهداف.
  • 32 نوعا من الطائرات ثابتة الجناح: توفر قدرة تحمل أطول لمهام الاستطلاع والهجوم.
  • 11 نوعا من الطائرات المزودة بنظام هجين للإقلاع والهبوط العمودي “في تي أو إل”: تجمع بين مرونة الإقلاع العمودي وكفاءة الطيران الأفقي.
  • 6 أنواع من الطائرات المروحية ذات دوّار واحد: تُستخدم لنقل الحمولات وتنفيذ عمليات المراقبة الثابتة.
  • 6 أنواع من المسيرات الانتحارية القادرة على البحث عن الأهداف وتدميرها بدقة.

غزة.. ساحة اختبار للإعدامات الجوية

تحولت غزة إلى ساحة اختبار ميدانية للطائرات المسيّرة الإسرائيلية، وتُستخدم أحدث التقنيات العسكرية ضد أهداف بشرية حقيقية، ولم تقتصر هذه الطائرات على استهداف أفراد المقاومة، بل وثقت تقارير متعددة تنفيذ ضربات مباشرة ضد المدنيين، بما في ذلك قصف المنازل، واستهداف الصحفيين، وحتى قتل الأطفال، مما جعل الحياة اليومية في غزة جحيما لا يطاق.

***vhogd]*** صور الأقمار الصناعية لغزة بتاريخ ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣ تظهر طائرة إسرائيلية بدون طيار "هيرمز 450" Hermes 450 في سماء غزة . المصدر: جوجل ايرث

ولا يقتصر تأثير الطائرات المسيّرة على الضربات المباشرة، بل يمتد إلى البعد النفسي من خلال الطنين المستمر في الأجواء، والذي يعمل كأداة لفرض الخوف وتقييد الحركة، مما يخلق بيئة من الرعب والضغط المستمر على السكان.

***vhogd]*** صور الأقمار الصناعية لغزة بتاريخ ١٩ أكتوبر ٢٠٢٣ تظهر طائرة إسرائيلية بدون طيار "هيرمز 450" Hermes 450 في سماء غزة . المصدر: جوجل ايرث

ويكشف التقرير عن أن 9 شركات إسرائيلية على الأقل اختبرت 15 طرازا مختلفا من الطائرات المسيّرة في غزة خلال العمليات العسكرية، بما في ذلك المسيرات الانتحارية، والطائرات الهجومية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، وأنظمة الاستطلاع المستقلة.

وتحول هذه الاختبارات غزة فعليا إلى مختبر حرب مفتوح، حيث يتم تقييم كفاءة هذه الطائرات في بيئات قتالية حقيقية قبل تسويقها عالميا.

****داخلية*** مسيرة استطلاع إسرائيلية من طراز ARC1000 أو ARC500 من إنتاج شركة كولوجو سيستمز في سماء تل الزعتر في جباليا – غزة (خاص الجزيرة)
رصد إلقاء المتفجرات على المدنيين في غزة من مسيرات للاستخدام الزراعي معدلة للاستخدام العسكري من طراز "دي جيه آي أجراس"

الأدلة الميدانية توثق جرائم الحرب

كشفت لقطات فيديو وتسجيلات ميدانية من غزة عن أدلة على استخدام الطائرات المسيرة الإسرائيلية في استهداف المدنيين، والصحفيين والمنازل.

من بين هذه الأدلة، استخدام طائرات “دي جيه آي أغراس” (DJI Agras) الزراعية، التي تم تعديلها لإلقاء القنابل على المدنيين. هذه الطائرات، المصممة أصلا لرش المحاصيل، تحولت إلى أسلحة فتاكة في يد الجيش الإسرائيلي.

***داخلية*** جنود إسرائيليون يجهزون طائرة "دي جيه آي أجراس" DJI Agras بدون طيار بالمتفجرات

الطائرات المسيّرة الإسرائيلية التي تم إسقاطها

خلال معركة طوفان الأقصى (أكتوبر/تشرين الأول 2023- يناير/كانون الثاني 2025)، تمكنت المقاومة الفلسطينية من إسقاط والاستيلاء على 173 طائرة مسيرة إسرائيلية، مما كشف عن نقاط ضعف في التكنولوجيا العسكرية الإسرائيلية.

وفقا للتقارير الميدانية والأدلة المصورة التي حللتها وكالة سند، استولى مقاتلو المقاومة على 75 طائرة مسيرة سليمة، وأسقطوا 37، كما استهدفوا دون إسقاط 61 طائرة أخرى.

وحسب موقع الشركة الرسمي، كانت العديد من هذه الطائرات المسيرة من النماذج المتطورة، بعضها تم إدخاله إلى الخدمة مؤخرا عام 2024، ويبلغ سعر المستشعر البصري في المسيرة وحده 13 ألفا و300 دولار، بينما يبلغ سعر المسيرة الصينية نحو 14 ألف دولار، بحسب المتجر الرسمي للشركة، مما يجعل تكلفة المسيرة مجتمعة نحو 27 ألفا و300 دولار.

من بين الطائرات المسيرة التي تم الاستيلاء عليها كانت “ثور ميني يو إيه إس” (Thor Mini UAS)، وهي طائرة مسيرة تكتيكية عالية التحمل من إنتاج “فلاينغ برودكشن” (Flying Production)- شركة تابعة لشركة “إلبيت سيستمز” (Elbit Systems).

وتم إسقاط هذه الطائرة بدون طيار، المصممة للاستطلاع العسكري والعمليات التكتيكية، من قبل كتائب القسام في فبراير/شباط 2024، وكشفت عن نظام الدفع الصيني الصنع (T-Motor Folding Carbon Prop) وتستخدم تكنولوجيا بطاريات الليثيوم أيون الإسرائيلية (Amicell).

بالإضافة إلى ذلك، كانت مسيرة “إيفو ماكس 4 تي” (EVO Max 4T)- شركة “أوتيل روبوتيكس” (Autel Robotics)، الصين، و”دي جيه آي أفاتا” (DJI Avata)، و “سكاي لارك آي-ليكس” (Skylark I-LEX) و”إلبيت سيستمز” (Elbit Systems) أيضا من بين الطائرات بدون طيار التي تم الاستيلاء عليها أو إسقاطها.

صور طائرات أسقطتها واستولت عليها المقاومة الفلسطينية خلال معركة طوفان الأقصى (المصدر :سرايا القدس و كتائب القسام )

تجارة الطائرات المسيّرة “المجربة قتاليا”

أصبحت الطائرات المسيرة الإسرائيلية سلعة رائجة في سوق الأسلحة العالمية، حيث يتم تسويقها على أنها “مجربة قتاليا” في ساحات المعارك.

وفي مؤتمر “يوفيد 2024” (UVID 2024)، عرضت الشركات الإسرائيلية لقطات من عمليات قتالية في غزة كدليل على فعالية منتجاتها، ويعكس هذا التسويق المباشر لجرائم الحرب تجاهلا تاما لحياة المدنيين واستخدامهم كأدوات في تجارب عسكرية.

وتحولت صناعة الطائرات المسيرة الإسرائيلية من مجرد صناعة عسكرية، إلى صناعة مبنية على جرائم الحرب ومعاناة المدنيين، وحوّلت غزة إلى مختبر حربي مفتوح، حيث تم اختبار الأسلحة الجديدة على أهداف بشرية قبل بيعها للعالم.

وحسبما جاء في المؤتمر، فإن شركات خاصة مثل إلبيت سيستمز، ويو فيجن، ورافائيل استشهدت بالسيناريوهات القتالية، باستخدام ضربات الطائرات بدون طيار “الموثقة” على المدنيين كأداة تسويقية لجذب المشترين الأجانب.

ويتم اختبار الطائرات بدون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي مثل “لانيوس” (Lanius)- شركة “إلبيت سيستمز” (Elbit Systems) و”سكوربيو كوادروتور” (Scorpio Quadrotor)- شركة “إكستند” (XTEND) في بيئات الحرب الحضرية، مما يشكل سابقة خطيرة للإعدامات الآلية.

تحالف الجيش والقطاع الخاص

يكشف التقرير عن علاقة وثيقة بين صناعة الطائرات المسيّرة الإسرائيلية والجيش الإسرائيلي، حيث تدار العديد من الشركات المصنعة من قبل شخصيات عسكرية سابقة مثل شركة “بيركيبتو” و”كوبتربيكس” (CopterPix) و(Percepto)، مما يضمن تطوير المنتجات وفق الاحتياجات العسكرية، وتوظيفها في المراقبة والاستهداف والاغتيالات.

وفي خطوة تهدف إلى توسيع قدراتها الجوية وتقليل الاعتماد على الطائرات المستوردة من الصين، طرحت مديرية البحث والتطوير الدفاعي التابعة لوزارة الدفاع الإسرائيلية مناقصة بقيمة مئات الملايين من الشواكل العام الماضي لشراء 20 ألف طائرة مسيرة مصنعة محليا.

وفي ديسمبر/كانون الأول الماضي، وقعت الوزارة عقودا بقيمة 40 مليون دولار مع شركة “إلبيت سيستمز” (Elbit Systems) لتزويد الجيش الإسرائيلي بطائرات مسيرة وأنظمة مستقلة متطورة.

وتشمل قائمة الشركات الإسرائيلية الصاعدة في هذا المجال شركات مثل “أيرونوتيكس” (Aeronautics)، و”أيروروبوتيكس” (Airobotics)، و”تكتيكال روبوتيكس” (Tactical Robotics)، و”سمارت شوتر” (SmartShooter)، وتقدم هذه الشركات حلولا متخصصة في المراقبة، والقتال، والحرب الإلكترونية، مما يعزز من قدرات الجيش الإسرائيلي في الصراعات الإقليمية.

منشور على موقع شركة XTEND "اكستند" الإسرائيلية يروج لاستخدامات طائراتها في حرب غزة من قبل الجيش الإسرائيلي. 

وتظهر العلاقة الوثيقة بين الجيش الإسرائيلي وشركات صناعة الطائرات المسيرة بوضوح في تطوير 4 أنواع رئيسية من الحمولات القتالية المخصصة للطائرات المُسيرة:

  • أنظمة المراقبة والاستهداف المتقدمة.
  •  أنظمة الأسلحة القتالية.
  • الأنظمة الكهروبصرية للتمييز والتوجيه.
  • تقنيات أسراب الطائرات المسيّرة للعمليات الجماعية.

وعبر إعلاناتها الترويجية، تؤكد هذه الشركات علنا أن منتجاتها “مختبرة ميدانيا”، مستعرضة لقطات من غزة ولبنان كدليل على فعاليتها في القتل الممنهج.

تزود هذه الشركات قوات الاحتلال الإسرائيلي بأحدث الطائرات المسيّرة، والتي تُستخدم في مراقبة الحدود، ومكافحة المقاومة، والعمليات العسكرية المباشرة.

المراقبة وجمع المعلومات الاستخباراتية

تُستخدم الطائرات المسيّرة الإسرائيلية ليس فقط كأسلحة، ولكن أيضا كأدوات استخباراتية متقدمة توفر مراقبة جوية دائمة على غزة ولبنان.

الضربات المستهدفة

يعد استخدام الطائرات المسيّرة في الضربات الدقيقة سمة بارزة في العمليات العسكرية الإسرائيلية، حيث يتم تزويد هذه الطائرات بالذخائر الموجهة، والقدرة على التحليق المتواصل، وأنظمة الاستهداف المدعومة بالذكاء الاصطناعي.

ومن طرق استخدام الطائرات المسيّرة المسلحة: الاغتيالات المستهدفة، حيث يتم استخدام الطائرات المسيّرة للقضاء على الأهداف عالية القيمة، مثل قادة الفصائل. والضربات الدقيقة، إذ تنفذ الطائرات غارات جوية دقيقة في المناطق المأهولة بالسكان. والطائرات المسيّرة الانتحارية، إذ تُصمم بعض الطائرات لتعقب وضرب الأهداف تلقائيا.

وفي الوقت نفسه، يمثل “سماش دراغون” (SMASH Dragon) -الذي طورته شركة “سمارت شوتر” Smart Shooter- و”تيكاد” (TIKAD) -الذي طورته شركة “يوك روبوتيكس” (Duke Robotics)- شكلا جديدا من القتال الجوي، حيث يتم تسليح الطائرات بدون طيار بأنظمة أسلحة نارية دقيقة للتعامل مع الأهداف الأرضية عن بعد.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.