يلعب العمل التطوعي دوراً بارزاً ومهماً في نهضة المجتمع وتقدمه، ويعد ركيزة أساسية في تعزيز التنمية المستدامة، والتكافل المجتمعي، وبناء مستقبل أفضل للأجيال الجديدة، وهو ممارسة تتطلب ثقافة ووعياً بما يقدم لنا وللآخرين، ويعتبر عملاً سامياً نابعاً من خلق الكرم والعطاء، وركيزة مهمة في تعزيز التنمية المستدامة.

ويجسد العمل التطوعي المتأصل في المجتمع الإماراتي عبارة «البيت متوحد»، حيث أصبح بصمة وطنية وسمة خاصة بـ«عيال زايد»، بعد أن أضحى ثقافة راسخة ومنهج عمل مستمراً في دولة الإمارات، منذ قيام الاتحاد على يد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، الذي زرع في أبناء الإمارات حب عمل الخير ومد يد العون ونجدة المحتاج وإغاثة الملهوف.

«البيان» رصدت 14 أثراً وفائدة للتطوع هي بمثابة ثمار تغذي شخصية الفرد وتماسك المجتمع بشكل عام وهي: تقوية مفهوم الترابط والوحدة بين أبناء المجتمع، وتوجيه طاقات الشباب نحو خدمة الغير، وتعزيز الشعور بالانتماء والمسؤولية إزاء المجتمع، وتنمية الخبرات والاهتمامات والهوايات وتطويرها، وتعزيز التواصل الاجتماعي.

وترسيخ قيمة التسامح وتقبل الآخر، وتقديم العون لأجهزة الدولة الخدمية، وتوطيد العلاقات مع مختلف الجهات والجمعيات التطوعية الرسمية في الإمارات.

والقضاء على أوقات الفراغ والملل بالقيام بكل ما هو خير وبالتالي يمنع انتشار الجرائم، ونشر رسالة إنسانية تقوم على مبدأ السواسية، وإرساء مفهوم تقديم المساعدة دون انتظار المقابل، وتطوير الثقة بالنفس والشعور بالإيجابية نحو الآخرين، وتحسين الصحة النفسية للفرد من خلال الشعور بالسعادة والرضا.

إقبال لافت

بداية، أكد أحمد لوتاه مدير إدارة التلاحم المجتمعي في هيئة تنمية المجتمع بدبي أن هناك إقبالاً لافتاً من المتطوعين على التسجيل في برنامج دبي للتطوع حيث وصل إجمالي عدد المتطوعين المسجلين في برنامج دبي للتطوع إلى 44,547 متطوعاً ومتطوعة بزيادة قدرها أكثر من 40% عن العام الذي يسبقه مما يدل على ارتفاع الوعي بأهمية ودور التطوع في خدمة وتنمية المجتمع.

وأوضح أن هناك العديد من المميزات للتطوع من أبرزها تنمية روح المسؤولية المجتمعية وترسيخ ثقافة العطاء بين الأفراد وفي المجتمع بشكل عام، واستثمار وقت الفراغ فيما هو مفيد، وتعزيز المهارات الناعمة بما يؤهل المتطوع لسوق العمل، وتنمية الروح الإيجابية لدى المتطوعين.

والحصول على فرص وظيفية. وشدد على ضرورة توفر ربط إلكتروني بين الجهات المسؤولة عن التطوع لضمان تحديث بيانات المتطوعين باستمرار، مع تعزيز واستقطاب التطوع التخصصي من ذوي الخبرة في بعض المهن التي تخدم المجتمع.

واجب وطني

ويرى الدكتور محمد أحمد عبدالرحمن مدير جامعة الوصل بدبي أن العمل التطوعي واجب وطني والتزام أخلاقي ومجتمعي وحق إنساني في التكافل والتواصل للإنسان مع أخيه الإنسان في أي مكان وزمان ودعمه مادياً ومعنوياً، كما أن مفهوم التطوع يحمل مضامين وقيماً أخلاقية عظيمة ومنهجاً تربوياً تتكاتف فيه جهود المتطوعين وتعاونهم مع فئات المجتمع كافة في حالة السلم وحين وقوع الكوارث والأزمات.

أثر إيجابي

وحول تأثير التطوع على الصحة النفسية، تؤكد الدكتورة بشرى خان، معالجة نفسية في مركز ويلث بدبي، الأثر الإيجابي العظيم للتطوع على نفسية الأفراد، فمن خلال الانخراط في العمل التطوعي، ينبثق في أذهانهم الحماس والدافع للإنجاز وتحقيق الأهداف وتنمية القدرات الشخصية.

وأوضحت أن الانخراط في العمل التطوعي ينمي القدرات الذهنية أيضاً ويعزز لدى المتطوعين تقديرهم لذاتهم وثقتهم بأنفسهم عن طريق إدراكهم أنهم يحدثون فارقاً إيجابياً في حياة الآخرين، ويساعد الأشخاص المصابين بالتوحد على التواصل مع الآخرين، ويساعد المتطوعين بشكل عام على توسيع نطاق شبكات معارفهم الاجتماعية.

الأمر الذي يحميهم من العزلة ومشاعر الوحدة والاكتئاب. كما يعزز عمل التطوع الإحساس بالانتماء والتعاطف مع الآخرين، بما يحسن من الشعور بالإيجابية لديهم ويقلل مستويات التوتر.

من ناحيتها تقول ناعمة الشامسي أخصائية نفسية وأسرية وزوجية إن التطوع يسهم في إشباع الحاجات النفسية لدى الأفراد مثل احترام وتقدير الذات الذي يولد غيابه الإحساس بالعجز والضعف والشعور بالفشل وضعف العزيمة وقلة الشغف. وأضافت إن التطوع يشبع الحاجات الاجتماعية أيضاً مثل الانتماء والحب والحاجة للشعور بالقبول من قبل الآخرين.

بالإضافة إلى تنمية حس المسؤولية لديه، فضلاً عن تعزيز قدرته على توجيه الانفعالات وضبطها، كما يساعد التطوع على تفريغ طاقة الفرد، والتي بدورها تساعد على تحقيق التوازن النفسي.

10 تحديات

إلى ذلك، حددت لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل والسكان والموارد البشرية في المجلس الوطني الاتحادي خلال الجلسة الخامسة من دور الانعقاد الحالي فبراير الماضي، 10 تحديات رئيسة تواجه تنظيم العمل التطوعي في الدولة، تشتمل على عدم تضمين المناهج الدراسية والبرامج الأكاديمية قيم ومبادئ العمل التطوعي وأثره على تعميق الانتماء الوطني.

وعدم توفير قنوات تقدم الدعم اللازم لجمعيات النفع العام للتوسع في أنشطتها التطوعية، ومحدودية الأنشطة لتنفيذ برامج الاستقطاب والتحفيز لزيادة أعداد المواطنين المسجلين في منصة التطوع، وغياب مبادرات لنشر ثقافة التطوع الإلكتروني، وغياب نتائج مؤشرات قياس وبرنامج العمل التطوعي التخصصي المهني، وعدم تسجيل جميع الفرق التطوعية في منصة التطوع الرسمية.

وغياب نتائج مؤشرات قياس البرامج التدريبية والتأهيلية لتمكين المتطوعين وصقل قدراتهم ومهاراتهم، وغياب آلية ربط إلكتروني للتراخيص الصادرة من المنصة الوطنية للتطوع مع الجهات المعنية، وغياب برامج التنسيق مع الجهات الحكومية لتبني برنامج التطوع المؤسسي، وضعف التنسيق مع القطاع الإعلامي للتوعية بماهية التطوع.

نماذج مضيئة في ميدان التطوع

أكد عدد من المتطوعين ممن أسهموا في صياغة سطور تاريخ المجتمع الإماراتي بعاداته وتقاليده وسماحته وكرمه، بمهارات وخبرات مشهودة، أنهم حصدوا الأثر الإيجابي للتطوع على حياتهم الشخصية والعملية، وانعكاس ذلك على المجتمع ككل، مشيرين إلى أن انخراطهم في العمل التطوعي يعتبر جزءاً من رد الجميل لوطنهم الحبيب.

وتروي أمينة محراب كيف أن التطوع ساهم في تجاوزها لمحن كثيرة كادت تعصف بحياتها ومن أبرزها محنة فقدها لشقيقها الذي كان بمثابة الأخ والصديق بالنسبة لها في حادث مأساوي أليم، ما أصابها بالانهيار والحزن الشديد فالأخ نعمة من الله تعالى وهو السند والأمان، ولكنها أقحمت نفسها في المزيد من الأعمال التطوعية فوجدت فيه ملجأ من ألم الفقد الذي يعتصر قلبها.

وتعتبر خلود عبدالله محمد الطالبة الإماراتية التي تدرس تخصص هندسة الطاقة المتجددة والمستدامة بجامعة الشارقة، إحدى النماذج التي يحتذى بها في العطاء دون انقطاع.

حيث انخرطت في مجال التطوع منذ عام 2016، من خلال منصة متطوعي الإمارات، وشاركت في أكثر من 80 فعالية حكومية في مختلف إمارات الدولة، الأمر الذي كان له تأثير إيجابي على شخصيتها .

حيث زادها ثقة بالنفس.وفي أوقات المحن دائماً تظهر معادن الإماراتيين الذين عهدناهم متوحدين ونستذكر هنا التغريدة التي نشرها أحد المقيمين على حسابه في تويتر أعرب فيها عن بالغ شكره وتقديره للمتطوع جمال عبدالرحمن الذي ساهم في إنقاذ والده المسن بعد أن نفذت أسطوانة الأكسجين التي تساعده على التنفس خلال جائحة كورونا، ولم يستطع الابن الذي يقطن في منطقة جبل علي الوصول إلى والده المسن الذي يقطن في مدينة دبي العالمية بسبب التزامه بتقييد الحركة في إمارة دبي للحد من تفشي فيروس كورونا.

وتحرك جمال على الفور وتواصل مع الشركة المعنية وكانت على وشك الإغلاق فأخبرهم بأن هناك حالة طارئة وأن عليهم الانتظار لحين قدومه، وتوجه لمقر سكن الأب المسن وأحضر الأسطوانة وقام بتعبئتها وإعادتها إليه واطمأن عليه.

وتقول فايقة عبدالغفار البستكي «أم المتطوعين» كما يحلو لزملائها مناداتها نظراً لأنها وأبناءها الثلاثة سيف وحنان وبسمة البستكي، مسجلون في برنامج التطوع: إن التطوع أسهم في تعزيز ثقتها بنفسها مما انعكس إيجاباً على تربيتها لأبنائها وإعدادهم الإعداد الأمثل لخدمة وطنهم ومواجهة تحديات الحياة.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.