نواجه جميعا مشاعر القلق والتوتر بين الحين والآخر، لكن هل نعرف الفرق بينهما؟ رغم أن المصطلحين غالبًا ما يُستخدمان بشكل مترادف، فإن هناك فرقا جوهريا بين القلق والتوتر. ورغم تشابه الأعراض بينهما، فإن كل حالة تنطوي على أسباب وتداعيات مختلفة. فهم هذه الفروق يساعدنا على التعرف على الطريقة المثلى للتعامل مع كل منهما وتقديم العلاج الأنسب للتخفيف من تأثيراتهما.
ما التوتر؟
التوتر (Stress) هو رد فعل عاطفي طبيعي نواجهه عندما نواجه مواقف أو تجارب صعبة أو غير مريحة في حياتنا اليومية. يمكن أن يظهر التوتر في مختلف اللحظات، مثل الاستعداد لاختبار، إتمام مشروع صعب في العمل، أو حتى نتيجة نقاش مع الأصدقاء أو العائلة. يعتبر التوتر رد فعل طبيعي يشعر به الجميع من حين لآخر.
غالبا ما يظهر التوتر عندما نشعر بعدم قدرتنا على التحكم في المواقف أو عندما نبتعد عن منطقة الراحة الخاصة بنا. في بعض الأحيان، يمكن أن يكون التوتر دافعًا إيجابيًا لتحقيق الإنجازات وتطوير المهارات الشخصية. ومع ذلك، إذا استمر التوتر لفترات طويلة وكان يؤثر عليك بشكل متكرر، فقد يتحول إلى توتر مزمن، مما قد يسبب مشاكل صحية على المدى البعيد.
ما القلق؟
القلق (Anxiety)، رد فعل طبيعي آخر وشائع ينتابنا عندما نشعر بالإرهاق أو التهديد أو الضغط النفسي. وغالبًا ما يوصف بأنه شعور بعدم الارتياح العام، أو الخوف، والذي قد يحدث تحسبًا لأحداث أو ظروف معينة، مثل المواقف الاجتماعية.
ومع ذلك، فإن القلق هو استجابة داخلية بدنية من الجسم لتهديد مُتصوَّر نابع من العقل، وقد نشعر به حتى لو لم يكن هناك سبب واضح للشعور.
وعندما يستمر إحساس الشخص بالقلق، قد يدفعه ذلك إلى تجنب المواقف، ويؤثر على علاقاته بأنواعها، ويتداخل مع روتينه اليومي وجودة حياته العامة.
الاختلاف الأساسي بين القلق والتوتر
بشكل أساسي، غالبا ما يكون مصدر التوتر خارجيا، بينما يكون القلق استجابة داخلية. كما أن التوتر قد يأتي فجأة أو دون سابق إنذار، وعادة ما يكون قصير المدى، وبمجرد زوال عامل التوتر الخارجي بوقت قصير، يمكن أن تنخفض أعراض التوتر بشكل ملحوظ في حياة الأشخاص.
في المقابل، فإن أعراض القلق غالبا ما تستمر حتى بعد زوال مُسبب التوتر العرضي، مما قد يُسبب إعاقات كبيرة في حياة المصاب، مثل نوبات الهلع، والاكتئاب، واضطراب ما بعد الصدمة.

-
الأعراض الجسدية والعاطفية
من العلامات الجسدية المرتبطة بالتوتر: توتر العضلات والفك، والتعب، والصداع، والأرق، والآلام العامة.
كما تشمل الأعراض العاطفية الشعور بالإرهاق، وحالات متكررة من ردود الفعل العاطفية مثل البكاء أو الانفعال، وتسارع الأفكار، والنسيان، وضعف قرار حل المشكلات. وقد تشمل العلامات السلوكية انخفاض جودة النوم، وتغيرات في الشهية أو الوزن، والميل للإدمان، والصعوبات الجنسية.
من ناحية أخرى، فإن الأعراض الجسدية للقلق قد تشمل ارتفاع معدل ضربات القلب، والغثيان وآلام المعدة، وسرعة التنفس أو ضيقه، والارتعاش، وردود الفعل المفاجئة المبالغ فيها. ومن بين الأعراض العاطفية القلق المستمر، والتفكير المتواصل، وتسارع الأفكار، والشعور بالعجز، والخوف والذعر.
أما الأعراض السلوكية فتشمل الأرق أو اضطراب النوم، وتغيرات الشهية، والسلوك الإدماني، وعدم القدرة على أداء المهام اليومية المعتادة، وزيادة احتمال تجنب الأشخاص والأنشطة التي تسبب الضيق، وهي الأعراض التي تستمر حتى بعد غياب المحفزات.

تأثيرات القلق والتوتر على جودة الحياة
يُعدّ التوتر والقلق العرضي جزءا من الحياة الطبيعية لكافة الناس، ولكن إذا لم يعالجا واستمرا لمدة طويلة في حياة الشخص، فقد يتفاقم كلاهما إلى مشاكل صحية نفسية أكثر خطورة مثل اضطرابات القلق المزمن.
وفي الحالات المعتدلة والبسيطة، بالإمكان تجاوز هذه المشاعر السلبية من خلال اتباع تقنيات محددة يوميا، على رأسها بذل النشاط البدني، واتباع روتين نوم ثابت وعميق، والحصول على نظام غذائي صحي ومتوازن.
أما إذا شعرت أن أيا من هذه التقنيات لا يؤثر على أدائك اليومي أو مزاجك السلبي العام، ووجدت أنك تعاني من مشاعر التوتر أو القلق لمدة تصل إلى 6 أشهر أو أكثر، ينصح الخبراء في هذه الحالة باستشارة أخصائي صحة نفسية، والذي يمكنه مساعدتك في فهم ما تمر به ويدرّبك على تطوير أدوات تكيّف وسلوكيات صحية للتعامل مع المحفزات.
وفي الحالات المتقدمة، قد تكون الاستعانة بطبيب صحة نفسية هي الخيار الأمثل، والذي سيختبر عددا من الأعراض لدى المصاب، منها القلق المفرط الذي يصعب السيطرة عليه لساعات طويلة، والذي يحدث في معظم الأيام على مدار 6 أشهر أو أكثر. وقد يبحث عن الأعراض الجسدية للقلق، وفي هذه الحالات سيكون العلاج السلوكي المعرفي هو الخطوة الأولى للتعامل مع المشكلة، وصولا إلى وصف العقاقير المضادة للاكتئاب والتي تسهم في علاج القلق كيميائيا في الجسم.