يشير الكاتب الساخر لويس برادا في مقال له على موقع “فايس” إلى أن “الجلوس هو شرير العصر”، وهو وصف قد يبدو مبالغًا فيه، لكنه يعكس حقيقة مقلقة: نمط الحياة الخامل أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياتنا الحديثة، ويحمل في طياته مخاطر صحية جمة. فمع قضاء الكثيرين ساعات طويلة بالجلوس يوميًا، سواء في العمل أو أمام الشاشات، تتزايد المخاوف بشأن تأثير ذلك على صحة القلب والأوعية الدموية، وحتى على طول العمر. هذا المقال سيتناول مخاطر الجلوس المطول وكيف يمكن للتغذية، وبالتحديد مركبات الفلافانول، أن تساعد في التخفيف من هذه الآثار السلبية.
مخاطر الجلوس المطول: عدو صامت للصحة
أظهرت دراسات عديدة، بما في ذلك بيانات جامعة برمنغهام، أن الجلوس لفترات طويلة يرتبط ارتباطًا وثيقًا بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. الدكتورة كالي إم ديفيز، من “مايو كلينك”، تحذر من أن الجلوس لأكثر من 6 إلى 8 ساعات يوميًا، حتى مع ممارسة الرياضة بانتظام، يمكن أن يزيد من هذا الخطر بنسبة تصل إلى 150%.
وتشمل المخاطر الأخرى المرتبطة بالخمول:
- ارتفاع ضغط الدم ومستويات الكوليسترول.
- ضعف الدورة الدموية.
- زيادة خطر الإصابة بمرض السكري من النوع الثاني.
- الوفاة المبكرة.
تؤكد ديفيز أن مخاطر الجلوس المزمن لا تقل عن مخاطر التدخين أو السمنة، وأن مجرد ساعتين من الجلوس المتواصل يمكن أن تقلل من تدفق الدم الغني بالأكسجين إلى الدماغ. بالإضافة إلى ذلك، يؤثر الجلوس سلبًا على قوة العضلات ووضعية الجسم، مما يؤدي إلى الشعور بالإرهاق وآلام أسفل الظهر.
الفلافانول: بصيص أمل في مواجهة آثار الجلوس
على الرغم من التحذيرات المتكررة من الخبراء، لم يتغير سلوك الأفراد كثيرًا. لكن دراسة حديثة أجريت في جامعة برمنغهام تقدم حلاً واعدًا: تناول الأطعمة والمشروبات الغنية بالفلافانول. الفلافانول هي مركبات طبيعية موجودة بوفرة في العديد من الفواكه والخضراوات والنباتات، وتشتهر بفوائدها الصحية للقلب والأوعية الدموية.
تشمل المصادر الغنية بالفلافانول:
- التفاح
- التوت
- العنب
- البرقوق
- الكرنب
- المكسرات
- الشاي الأسود والأخضر
- الكاكاو غير المحلى
توضح الدكتورة كاتارينا رينديرو، قائدة الدراسة، أننا نقضي وقتًا طويلاً في الجلوس، سواء في العمل أو أثناء التنقل أو في المنزل، مما يعرض أجسامنا للإجهاد. لذا، فإن إيجاد طرق للتخفيف من هذه الآثار الضارة على شرايين الجسم، وتقليل خطر الإصابة بأمراض القلب، أمر بالغ الأهمية.
كيف تعمل الفلافانول على حماية صحتك أثناء الجلوس؟
قسّم الباحثون 40 رجلاً يتمتعون بصحة جيدة إلى مجموعتين: مجموعة عالية اللياقة البدنية ومجموعة منخفضة اللياقة البدنية. تناول نصف المشاركين مشروب كاكاو غني بالفلافانول (695 ملغ من الفلافانول)، بينما تناول النصف الآخر مشروبًا وهميًا منخفض الفلافانول (5.6 ملغ فقط). بعد ذلك، جلس جميع المشاركين خاملين لمدة ساعتين.
وقام الباحثون بقياس وظيفة الأوعية الدموية في أذرعهم وأرجلهم لتقييم قدرة الشرايين على التمدد والانقباض للحفاظ على تدفق الدم. النتائج كانت مذهلة:
- ممارسو الرياضة الذين شربوا الكاكاو منخفض الفلافانول شهدوا انخفاضًا في وظيفة الأوعية الدموية وتدفق الدم وأكسجة العضلات.
- أما أولئك الذين شربوا الكاكاو الغني بالفلافانول، فبقيت شرايينهم سليمة بعد ساعتين من الجلوس.
هذا يشير إلى أن الفلافانول يمكن أن تحافظ على صحة الأوعية الدموية أثناء الجلوس، بغض النظر عن مستوى اللياقة البدنية. الدكتور سام لوكاس، الباحث المشارك في الدراسة، يؤكد أن اللياقة البدنية وحدها لا تكفي لحماية الأوعية الدموية من مخاطر الجلوس، ولكن تناول كميات كبيرة من الفلافانول يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا.
التوازن هو المفتاح: الجلوس والوقوف والحركة
على الرغم من أن الدراسة تسلط الضوء على أهمية الفلافانول، إلا أنها لا تعني أننا يمكن أن نجلس لساعات طويلة ثم نعوض ذلك بتناول الكاكاو. الدكتورة ديفيز تشدد على أن “القيام بتمرين واحد مكثف في الصباح لا يلغي آثار 10 ساعات من الجلوس”.
لذا، فإن الحل الأمثل هو إيجاد توازن بين الجلوس والوقوف والحركة على مدار اليوم. تنصح بـ:
- ضبط الهاتف للتذكير بالنهوض والحركة لمدة 5 دقائق على الأقل كل ساعة.
- استخدام جهاز المشي أثناء العمل.
- التنزه أثناء التحدث في الهاتف.
- الوقوف لمدة ساعتين على الأقل يوميًا (مع تجنب الوقوف لفترات طويلة بشكل مستمر لتجنب إجهاد العضلات والمفاصل).
الدكتورة أندريا زد لاكروا تقترح أن النهوض 3 مرات كل ساعة أفضل من النهوض مرة واحدة فقط. فالتوازن بين الجلوس والوقوف والمشي هو النهج الأكثر استدامة وصحة.
في الختام، الجلوس المطول يمثل خطرًا حقيقيًا على صحتنا، ولكن يمكننا التخفيف من هذه الآثار السلبية من خلال اتباع نظام غذائي غني بالفلافانول، والحرص على الحركة والوقوف بانتظام. تذكر أن صحة قلبك وعافيتك تستحقان بعض الجهد الإضافي! شارك هذا المقال مع أصدقائك وعائلتك لتوعيتهم بأهمية مكافحة “شرير العصر” والعيش حياة أكثر صحة ونشاطًا.












