ممارسة الرياضة في الصباح الباكر قد تبدو تحديًا كبيرًا للكثيرين، وهو ما أكده الدكتور هانتر بينيت، المحاضر في علوم التمارين الرياضية بجامعة جنوب أستراليا، في مقاله الحديث. فمعظمنا يجد صعوبة في الاستيقاظ والتحرك، ويشعر بأن الجهد المطلوب للممارسة مضاعف مقارنة بأوقات أخرى من اليوم. هذه الصعوبة ليست مجرد شعور شخصي، بل لها أسباب علمية متجذرة في بيولوجية الجسم. في هذا المقال، سنتعمق في فهم هذه الأسباب، ونستكشف إمكانية التكيف مع التمارين الصباحية، وكيف يمكننا تحسين أدائنا الرياضي بشكل عام.
الإيقاع اليومي وتأثيره على الأداء الرياضي
جسم الإنسان يعمل وفقًا لساعة بيولوجية داخلية تُعرف باسم “الإيقاع اليومي”. هذا الإيقاع يتحكم في العديد من العمليات الحيوية، بما في ذلك تنظيم الهرمونات، ودرجة حرارة الجسم، ودورات النوم والاستيقاظ. وبينما يلعب الدماغ دورًا رئيسيًا في التحكم بهذه الساعة، إلا أنها تتأثر بشكل كبير بعوامل خارجية، مثل التعرض لأشعة الشمس. وهذا يفسر سبب شعور البعض بصعوبة أكبر في ممارسة الرياضة في الصباح، خاصة خلال فصل الشتاء عندما يكون ضوء الشمس محدودًا.
تشير الأبحاث الحديثة، التي نُشرت في أواخر عام 2024، إلى وجود ارتباط وثيق بين الإيقاع اليومي والأداء الرياضي. معظم الناس يصلون إلى ذروة قوتهم ولياقتهم البدنية بين الساعة 4 و7 مساءً. وبعبارة أخرى، نميل إلى أن نكون أقوى وأسرع وأكثر نشاطًا في فترة ما بعد الظهر وبداية المساء. هذا يعني أن محاولة تحقيق أقصى استفادة من تمرينك في الصباح قد تكون أقل فعالية مقارنة بوقته المثالي.
لماذا تبدو الرياضة أصعب في الصباح؟
هناك عدة تفسيرات علمية محتملة لسبب انخفاض الأداء الرياضي في الصباح. دعونا نستعرض أبرزها:
درجة حرارة الجسم و كفاءة العضلات
تشير الدراسات إلى أن درجة حرارة الجسم الأساسية تكون في أدنى مستوياتها حوالي الساعة الخامسة صباحًا. ثم تبدأ في الارتفاع تدريجيًا على مدار اليوم. هذا الارتفاع في درجة الحرارة يؤثر بشكل إيجابي على كفاءة انقباض العضلات، مما يجعل الحركة أسهل وأكثر فعالية. وبالتالي، قد تشعر بتصلب العضلات وصعوبة في الحركة في الصباح بسبب انخفاض درجة حرارة الجسم.
تأثير الهرمونات على الطاقة
مستويات هرمون الإنسولين، المسؤول عن تنظيم سكر الدم، تكون في ذروتها خلال ساعات الصباح الأولى. هذا يمكن أن يؤدي إلى انخفاض مستوى الجلوكوز المتاح كمصدر للطاقة، مما يحد من القدرة على بذل الجهد البدني. بمعنى آخر، قد تشعر بالإرهاق والضعف في الصباح بسبب نقص الطاقة المتاحة للعضلات.
كفاءة الجهاز العصبي وتجنيد العضلات
على الرغم من عدم وجود تفسير قاطع حتى الآن، إلا أن بعض الأدلة العلمية تشير إلى أن الجهاز العصبي يكون أكثر قدرة على إرسال الإشارات للعضلات خلال ساعات النهار. هذا يعزز تجنيد عدد أكبر من الألياف العضلية أثناء التمرين، مما يزيد من القوة البدنية بشكل ملحوظ. لذلك، قد يجد الجهاز العصبي صعوبة في الوصول إلى كامل إمكاناته في الصباح، مما يؤثر على الأداء الرياضي.
دور نمط النوم في الأداء البدني
يلعب نمط النوم دورًا حاسمًا في الأداء الرياضي. سواء كنت شخصًا “صباحيًا” يستيقظ مليئًا بالنشاط، أو شخصًا “ليليًا” يفضل العمل في المساء، فإن ذلك ينعكس على مستوى أدائك البدني. أظهرت دراسة نشرت عام 2018 أن الأشخاص الليليين يميلون إلى تحقيق أداء أسوأ عند ممارسة الرياضة في الصباح مقارنة بالأشخاص الصباحيين. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي الحرمان من النوم إلى تراجع أكبر في الأداء البدني خلال فترة ما بعد الظهر مقارنة بالصباح.
التكيف مع التمارين الصباحية و تحسين الأداء
على الرغم من التحديات، من الممكن التكيف مع التمارين الصباحية وتحسين الأداء. إذا كنت بحاجة إلى ممارسة الرياضة في الصباح، سواء بسبب جدولك المزدحم أو الاستعداد لمنافسة صباحية، فإليك بعض النصائح:
- التعويد التدريجي: ابدأ بإدخال بعض التمارين الصباحية الخفيفة في جدولك التدريبي تدريجيًا. لا تحاول تغيير روتينك بالكامل مرة واحدة.
- الإحماء الجيد: خصص وقتًا كافيًا للإحماء قبل البدء في التمرين. هذا يساعد على زيادة تدفق الدم إلى العضلات ورفع درجة حرارة الجسم.
- الانتظام: حاول ممارسة الرياضة في نفس الوقت كل صباح. هذا يساعد على تنظيم الإيقاع اليومي وتحسين الأداء.
- الترطيب والتغذية: تأكد من شرب الماء وتناول وجبة خفيفة قبل التمرين لتزويد جسمك بالطاقة اللازمة.
- الراحة الكافية: احصل على قسط كاف من النوم كل ليلة.
الخلاصة
على الرغم من أن جسمنا قد يكون أقل استعدادًا للنشاط البدني في الصباح بسبب العوامل الهرمونية وتغيرات درجة الحرارة، إلا أن التمارين الصباحية ليست مستحيلة. فهم هذه العوامل البيولوجية والتكيف معها من خلال الإحماء الجيد والانتظام في الممارسة والراحة الكافية، يمكن أن يساعدك على تحقيق أقصى استفادة من تمرينك الصباحي. الأهم من ذلك، اختر الوقت الذي يناسبك ويجعلك تشعر بالراحة والتحفيز، فالممارسة المنتظمة هي الأهم لتحقيق أهدافك الصحية واللياقية. هل أنت مستعد لتجربة التمارين الصباحية وتحدي إيقاعك اليومي؟ شاركنا تجربتك ونتائجك!









