من هواية تضيف اللون الأخضر إلى المنزل، إلى محاولة للحصول على عائد مجز من تلك العادة اليومية الممتعة، لا تحتاج الزراعة المنزلية إلى كثير من الوقت، لكنها قد تصبح أحد مصادر الدخل بطريقة مثيرة.
هكذا تحول عدد من هواة زراعة الشرفات إلى مستثمرين محتملين، عبر اختيار نوعيات نباتات نادرة، على رأسها التوابل مثل الزعفران، والفواكه الاستوائية، أملا في تسويقها من المنزل، وفي حين يرى البعض أن المسألة مستحيلة، ولا تتخطى مرحلة الهواية، يؤكد آخرون أن نجاح مثل هذه “المشاريع” أكيد.
زعفران في شرفة المنزل
في شرفة منزله بالأردن، يهوى هادي عماد الذيب، زراعة النباتات النادرة، وأصبح يفكر بجدية في أنها مشروعه بعد التقاعد، يقول “تابعت قصص نجاح زراعة نوع نادر من الزعفران، في جنوب المملكة، يسمى الزعفران المؤابي، ويوافق أجواء البلاد، يمتاز بأنه يعطي محصولا أكبر وقيمة أعلى، لذا قررت تجربة الأمر في شرفة منزلي خلال فترة جائحة كورونا”.
هذا النوع من الزعفران يباع الكيلوغرام الواحد منه بـ1200 إلى 1300 دولار، وصحيح أن المساحة الصغيرة لشرفة بيته لا تسمح لعماد الذيب بأن يحول هذه الزراعة إلى مشروع مدر للدخل، لكنها على الأقل توفر له حاجات بيته وتساعده على توفير مبلغ كان يمكن أن ينفقه لشراء ما ينتجه في شرفته.
الذيب، الذي يعمل مديرا لمشاريع تكنولوجيا المعلومات، حول شرفة منزله إلى “جنة” يهوى التقاط الصور داخلها بصحبة طفله.
يقول “عقب التقاعد، وبمجرد أن تتوفر لدي سيولة، فسوف أتحول إلى الاستثمار في الزراعة، نجحت أيضا في زراعة الأفوكادو للزينة، والريحان للطعام، المسألة لا تتطلب الكثير من التكاليف ولا مجهودا شاقا”.
نباتات “الجنة” النادرة في مصر
عبر صفحتهم بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، يعد القائمون على نشاط تجاري بعنوان “فواكه نادرة -أطعمة الجنة” زبائنهم بالربح الوفير عبر زراعة شرفاتهم وأسطح منازلهم بشتلات معدلة، لتلائم الأجواء المصرية.
يقول مدير الصفحة “نحاول نشر ثقافة زرع الفواكه الاستوائية النادرة في مصر، وقد قمنا بتطعيم للشتلة بطريقة جعلتها تتحمل المناخ المصري وقد كان”.
يرشح عبده الطيب، المسؤول عن صفحة فواكه نادرة، لهواة الزراعة المنزلية أنواعا بعينها، يؤكد أنها تدر المال لزارعيها، إذا ما منحوها ما يكفي من الاهتمام والعناية، ويقول: “الشاي الأزرق، أرشحه لأنه يزهر طوال العام، ويستطيع زارعه أن يقطف منه بشكل يومي”.
وينصح كذلك بفاكهة “الباشون”، التي يقول عنها إنها “أم الفواكه”، ويقول إنها “سهلة جدا، وتتميز بإنتاجها الغزير، ويصل إنتاج الشجرة الواحدة منها إلى 300 كيلوغرام في السنة، ويبلغ سعر الكيلوغرام الواحد منها 150 جنيها (4.8 دولارات)”.
ويؤكد عبد الطيب أن سطح بيت واسع يمكن أن يوفر لصاحبه طنا من الفاكهة التي قد تدر عليه في العام الواحد 150 ألف جنيه (4860 دولارا)، ويتابع “أرشح أيضا فاكهة الببينو التي تبدأ ثمارها بعد 30 يوما بالضبط، وتنتج الشجرة الواحدة 10 كيلوغرامات سنويا، وهي مناسبة لوعاء الزراعة الصغير في الشرفات، ويصل سعر الكيلوغرام الواحد منها 100 جنيه تقريبا (نحو 3.2 دولارات)”.
تجربة ليست ناجحة جدا
داخل شرفتها الشهيرة بجمالها، التي تستضيف بها أصدقاءها من الكتاب والمترجمين، تعنى المترجمة والكاتبة المصرية، إيناس التركي، بعدد ضخم من النباتات بعضها نادر، فقد رباها والدها منذ نعومة أظفارها على العناية بالنباتات.
تقول التركي “يعتقد كثير من الناس أن زراعة الزعفران وبعض النباتات تدر دخلا إذا ما زرعوها في الشرفة، وهذا غير صحيح، لكن المكسب الحقيقي في تلك التجربة هو السعادة، وبهجة العيش وسط النباتات”.
وتؤكد أن “الحديث عن المكاسب المادية من هذا العمل غير صحيح، إلا إذا كان هناك سطح للمنزل مساحته كافية لزراعة عدد كبير من الشتلات، فلم يحدث أبدا لي، أو لسواي ممن أعرفهم، أن كانت الزراعة في الشرفة مصدرا للدخل، وغاية ما يمكن أن يصل إليه الزارع هو أن يحقق بعض الاكتفاء الذاتي من بعض المزروعات”.
تتذكر إيناس التركي حين زرعت “الوينكا”، وهو نبات زينة لا تتوفر بعض الألوان منه في مصر، تقول “جلبت البذور من الخارج، لكنني فوجئت بإنبات سيئ، ونمو ضعيف”. وتضم شرفتها أنواعا من صبارات نادرة.
وتقول “لدي سيرس حلزوني، ونوع آخر اسمه لاتيني معقد بعض الشيء، عالم الصبار عالم خاص، يصل سعر بعضها إلى الآلاف، وإن كان الناس يفرحون بالأزهار والورود العادية، ففرحتي الحقيقية تكون بظهور زهور الصبار، لدي واحدة لا تتفتح زهرتها إلا مرة واحدة في العام، ليلا، أحيانا يفوتني الأمر، فأعاتبها كيف تتفتح وأنا نائمة”.
حقيقة الكسب من “شرفة المنزل”
داخل شركته التي تحمل اسم “كن نبات” يتابع الدكتور كريم القزاز، استشاري الزراعة المائية، دعوات الكسب من زراعة الأسطح والشرفات بمزيد من الاستغراب، يقول “الأمر غير مجد تماما من الناحية الاقتصادية، ولا عائد تجاريا يذكر أو يرجى من ورائه، الشخص الوحيد الذي يكسب حقا في تلك الحلقة، هو بائع الشتلة، فالزعفران مثلا لا يزهر في مصر سوى في سيناء، وفي ظروف معينة، ولمرة واحدة على مدار العام، الأمر نفسه مع كل النباتات، نادرة كانت أو عادية، فالطماطم على سبيل المثال، إن كان المزروع منها صنفا جيدا، من شركة معتمدة، يكون إنتاجها في ظروف جيدة، من 25 إلى 30 كيلوغراما خلال 9 شهور، للمتر المربع الواحد”.
وتابع “الزراعة عموما، ليست أمرا سهلا، حتى وإن بدت البداية محفزة، فإن العناية بها تحتاج لوقت كبير من أجل فهم وتعلم فن الزراعة”.
المهندس الذي تخصص في أنظمة الزراعة الحديثة لا يملك نباتات بمنزله، ويقول “الزرع بحاجة إلى عناية، لا تستقيم معه ظروف عمل من الصباح الباكر حتى المساء، لكنه يبقى غرضا ترفيهيا، وهواية، تسعد من يمارسها”.