اعتقد المصريون القدماء أن الآلهة ترسل إليهم رسائل عبر أحلامهم وكانوا يطلقون عليها اسم “أومينا” وهي أصل كلمة “فأل” ومن ثم اهتموا بتذكر ما يرونه في منامهم.

وفي عام 2020، قامت الجمعية الملكية للعلوم بتحليل 24 ألف حلم، وأفادت بأن الأحلام غالبا ما تكون استمرارا لحياتنا اليقظة، كما تتضمن خيوطا من أعمق مخاوفنا وآمالنا ورغباتنا، وتنقلنا إلى عالم تبدو فيه الأشياء المستحيلة ممكنة وتتكشف القضايا الحياتية بأكثر الطرق دراماتيكية.

ومع ذلك، فإن معظم الناس على الأرجح لا يتذكرون أحلامهم وبعضها يتلاشى سريعا أو تبدو ضبابية، ومن هنا تظهر أهمية تدوين الأحلام، ليس فقط حفاظا على هذه الحكايات الخيالية، بل لتحويلها إلى أهداف ملموسة والوصول إلى الإجابات التي اكتشفتها أدمغتنا أثناء النوم.

كيف تدون أحلامك؟

تقول عالمة النفس والمتخصصة في أبحاث النوم، ألينا تياني لموقع “كليفلاند كلينك”، إن طرق تدوين الأحلام عديدة، وإن كان الشكل الأكثر شيوعا عبارة عن كتابتها باستخدام ورقة وقلم، فيمكن كذلك أن يتخذ التدوين شكل رسومات أو رموز معبرة، وقد يكون تسجيلا صوتيا تتحدث فيه عما تتذكره من تجربة الحلم، يمكنك أيضا استخدام تطبيق تحويل الصوت إلى نص “خاصية الإملاء الصوتي” على الهواتف وغيرها من الطرق المتوفرة.

وتضيف تياني، إنه لا توجد طريقة صحيحة وأخرى خاطئة عند تدوين مذكرات الأحلام، ولكن ينبغي جعل العملية سهلة وواضحة قدر الإمكان من خلال الاحتفاظ بمفكرة الأحلام على منضدة بجوار السرير أو تدوين ملاحظة صوتية على هاتفك بمجرد الاستيقاظ لضمان الاتساق والاستمرار ومعرفة إلى أين تقودك قصة أحلامك.

وتقدم المتخصصة في أبحاث النوم، أفضل الممارسات لمساعدتك على البدء، مثل المواظبة على تدوين حلمك في الصباح الباكر بحيث تكون أحلامك حاضرة في ذهنك، وبغض النظر عن الصيغة التي تستخدمها في تدوين حلمك، فإن أهم شيء من وجهة نظر تياني، هو وصف حلمك بالتفصيل وتوضيح الأشخاص والأماكن والأصوات والمشاعر التي تضمنها الحلم لاستكشاف عقلك الباطن أو تقديم بعض الرؤى حول شخصيتك.

ما أهمية الأحلام وما الجدوى من تدوينها؟

ينقل موقع “سليب” عن عالم النفس، كيلي بولكيلي، قوله “هناك العديد من الأشياء التي يمكنك تعلمها واكتشافها والاستفادة منها من خلال الاحتفاظ بمذكرات الأحلام، لكنني أعتقد أن القيمة العظمى تتمثل في الحوار المستمر مع ذاتك اللاواعية”.

ووفق الخبراء، يساعد تدوين الأحلام على:

  • تعزيز الإبداع

غالبا ما تستغل الأحلام المخزون الإبداعي للعقل، وهناك العديد من المبدعين ممن وجدوا الإلهام في أحلامهم، فقد خطرت فكرة فيلم “ذا ترمنايتور” للمخرج الكندي جيمس كاميرون من خلال رؤيته حلما لإنسان آلي يزحف خلف امرأة، كما كان عالم الحاسوب الأميركي لاري بيج، يحلم بتنزيل الإنترنت بالكامل وفهرسة الروابط قبل أن يفعل ذلك مع شركة “غوغل” التي شارك بتأسيسها.

وبشكل عام يميل الأشخاص الذين يتذكرون أحلامهم ويقومون بتسجيلها إلى أن يكونوا أكثر إبداعا، وهذا ما توصل إليه فريق بحثي من كولومبيا عام 2016، وأشار إلى أن الأحلام توفر مصدرا للحلول الإبداعية للمشاكل الصعبة، وأن تذكر الأحلام من خلال تتبعها وتسجيلها يوميا يعزز جوانب الإبداع والمرونة المعرفية بغض النظر عن محتوى الحلم.

  • تحسين الذاكرة

يعزز الاستمرار في تدوين الأحلام وتذكرها نحت مسارات عصبية في الدماغ للاحتفاظ بالذكريات العامة بشكل أفضل، ويقول الرئيس التنفيذي لشركة “سليب سايكل” المتخصصة في خدمات تحسين جودة النوم، إريك جيفمارك: “إن الانخراط في ممارسة تدوين الأحلام يساعد في تدريب الدماغ على تذكر المزيد من التفاصيل وتحسين قدرتك العامة على تذكرها، ويحسن أداء الذاكرة بشكل عام في الحياة اليومية”.

  • تقليل التوتر ومعالجة العواطف

يمكنك معالجة المشاعر بشكل أفضل من خلال تذكر أحلامك وفهمها، وأظهرت دراسة أجرتها جامعة كارديف بالمملكة المتحدة عام 2017 أن التوتر العاطفي أثناء ساعات اليقظة يمكن أن يتجلى في المنام، وأن تذكر أحلامك يساعدك على التعامل مع هذه المشاعر بشكل أفضل.

يقول جيفمارك: “من خلال توثيق الأحلام بانتظام، يمكن للأفراد أن يتعلموا كيفية تحديد الموضوعات أو المشكلات المتكررة ومعالجتها أثناء ساعات الاستيقاظ، ويمكن أن تساعد هذه العملية في تقليل التوتر والقلق من خلال إضفاء الوضوح والفهم على تجاربنا”.

تساعد الأحلام في الوصول إلى أفكار وحلول مبتكرة للمشاكل، فعندما نكون نائمين تكون عقولنا حرة وتنجح في تكوين روابط وارتباطات قد لا نتمكن من تكوينها عندما نكون مستيقظين، على سبيل المثال، تتبع ألبرت أينشتاين جذور نظريته في النسبية بناء على حلم كان يراوده في سن المراهقة حول السفر بسرعة الضوء، وفي دراسة نشرتها دورية علم النفس الأميركية عام 2003 طلب الباحثون من المشاركين التفكير في مشكلة لمدة 15 دقيقة قبل الذهاب إلى الفراش كل ليلة وتسجيل أحلامهم في الصباح، وبعد 10 أيام، أحرز المشاركون تقدما في إيجاد الحل أو شعروا بأن المشكلة لم تعد مزعجة.

  • تطوير قدرتك على الحلم الواضح

يسمح توثيق الأحلام بتطوير مهارات الحلم الواضح، فيتنقل الفرد في أحلامه في حالة واعية، ويصبح قادرا على ملاحظة مكان وعالم حلمه بكافة التفاصيل كما لو كان مستيقظا، وكذلك يتحكم في أحداث الحلم، كأن يمنح الأحلام السيئة نهايات جيدة.

الاحتفاظ بمذكرات الأحلام يشبه حمل مرآة لعقلك الباطن، مما يوفر سطحا عاكسا يساعدك على فهم نفسك بشكل أفضل، وبمرور الوقت، يقودك تسجيل أحلامك إلى تسليط الضوء على جوانب حياتك التي قد تحتاج إلى الاهتمام أو التغيير، مما يحفز النمو الشخصي، ويمكن أن يكون هذا الوعي بمثابة الخطوة الأولى نحو الشفاء العاطفي، ويوفر نقطة انطلاق لمواجهة المشكلات الشخصية والتعامل معها.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.