في قلب مدينة ستراسبورغ الفرنسية، يبرز صرح معماري فريد من نوعه، يجمع بين شغف كرة القدم والتزام الاستدامة البيئية. إنه ملعب ستاد دو لا ميناو، الذي أصبح حديث العالم بفضل تصميمه المبتكر الذي يعتمد على إعادة تدوير أجزاء من طائرات إيرباص A340. لم يعد الملعب مجرد وجهة رياضية، بل تحول إلى رمز للإبداع والمسؤولية تجاه البيئة، وجذب الأنظار خلال استضافته لمباريات الدوري الأوروبي.
ملعب ستاد دو لا ميناو: تحفة معمارية مستوحاة من عالم الطيران
يمثل ملعب ستاد دو لا ميناو قفزة نوعية في عالم تصميم الملاعب الرياضية، حيث يتجاوز المفهوم التقليدي لتوفير تجربة مشاهدة ممتعة، ليقدم نموذجاً يحتذى به في إعادة التدوير والاستدامة. الفكرة الثورية التي تقف وراء هذا التحول هي استخدام أجزاء من 30 طائرة ركاب من طراز إيرباص A340، كانت قد وصلت إلى نهاية عمرها التشغيلي، وتحويلها إلى واجهة مذهلة للملعب.
هذا المشروع لم يقتصر على الجانب الجمالي فحسب، بل يمثل أيضاً حلاً عملياً للتحديات البيئية التي تواجه صناعة البناء. فبدلاً من التخلص من هياكل الطائرات الضخمة في مكبات النفايات، تم إعطاؤها حياة جديدة كمواد بناء عالية الجودة، مما يقلل بشكل كبير من البصمة الكربونية للمشروع.
واجهة “بريز سولي”: أيقونة بصرية تعكس الالتزام بالاستدامة
الواجهة الجنوبية للملعب، والتي أُطلق عليها اسم “بريز سولي” (Breeze Soleil)، هي جوهرة التاج في هذا التصميم الفريد. تتكون الواجهة من 196 لوحاً معدنياً أبيض اللون، تم تشكيلها بدقة متناهية من هياكل الطائرات المفككة. هذه اللوحات المنحنية تعكس أشعة الشمس خلال النهار، مما يخلق بريقاً مبهجاً، بينما تتوهج بشكل آسر في الليل.
وصفها الإعلام العالمي، بما في ذلك صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، بأنها تشبه “سفينة فضائية”، مما يعكس مدى الإعجاب والدهشة التي أثارها هذا التصميم المستقبلي. هذا الابتكار الهندسي يجسد مفهوم “إعادة التدوير للأفضل” (Upcycling)، وهو أسلوب معماري يركز على تحويل المواد المهملة إلى منتجات ذات قيمة أعلى.
الاستدامة الرياضية: نهج جديد في بناء الملاعب
يعتبر مشروع ملعب ستاد دو لا ميناو مثالاً رائداً على مفهوم الاستدامة الرياضية الذي يكتسب زخماً متزايداً في السنوات الأخيرة. حيث يهدف هذا المفهوم إلى تقليل الأثر البيئي للملاعب الرياضية والفعاليات الرياضية، من خلال استخدام مواد مستدامة، وتوفير الطاقة، وإدارة النفايات بشكل فعال.
إن إعادة تدوير هياكل الطائرات في بناء الملعب يمثل خطوة جريئة نحو تحقيق هذا الهدف، ويثبت أن الابتكار والمعمار يمكن أن يسيرا جنباً إلى جنب مع المسؤولية البيئية.
تاريخ عريق يقترن بتطوير حديث
ملعب ستاد دو لا ميناو ليس مجرد ملعب حديث، بل هو جزء من التاريخ الرياضي الفرنسي. فقد تم افتتاحه لأول مرة في عام 1921، وشهد على العديد من اللحظات التاريخية في كرة القدم الفرنسية والأوروبية، بما في ذلك استضافة مباريات في كأس أوروبا للأبطال عام 1961.
إلا أن الملعب كان بحاجة ماسة إلى تجديد شامل لمواكبة التطورات الحديثة وتلبية احتياجات نادي ريسينغ كلوب دي ستراسبورغ وجماهيره المتزايدة.
مشروع تطوير طموح بتكلفة 160 مليون يورو
في يناير 2021، أطلق الاتحاد الأوروبي للمدن مشروعاً ضخماً لتطوير ملعب ستاد دو لا ميناو، بتكلفة استثمارية بلغت 160 مليون يورو. يشرف على هذا المشروع مكتب المهندسين المعماريين العالمي “Populous”، وهو الفريق الذي صمم ملعب توتنهام هوتسبير المبتكر في لندن.
يهدف المشروع إلى رفع الطاقة الاستيعابية للملعب من 26,109 متفرجين إلى 32,000 متفرج، وتوفير مرافق حديثة ومتطورة للجماهير واللاعبين على حد سواء. ويشمل المشروع أيضاً تطوير المدرج الجنوبي الجديد بسعة 12,000 متفرج، والذي يضم شرفات مخصصة للاحتفالات وإطلالات بانورامية خلابة على مدينة ستراسبورغ.
تجربة جماهيرية فريدة ومساهمة في السياحة الرياضية
مع اكتمال مشروع التطوير المتوقع في أغسطس القادم، سيقدم ملعب ستاد دو لا ميناو تجربة جماهيرية استثنائية، تجمع بين الإثارة الرياضية والجمال المعماري والراحة والمرفق.
من المتوقع أن يجذب الملعب السياح من جميع أنحاء العالم، بفضل تصميمه الفريد وموقعه في قلب أوروبا، مما يساهم في تعزيز السياحة الرياضية في المنطقة. وقد أشادت وزارة الرياضة الفرنسية بهذا التحول المعماري، واعتبرته “نموذجاً للرياضة الخضراء”. وإلى جانب الجوانب الرياضية، سيعزز الملعب الجديد مكانة ستراسبورغ كمدينة رائدة في مجال الاستدامة والابتكار.
في الختام، ملعب ستاد دو لا ميناو ليس مجرد ملعب كرة قدم، بل هو قصة نجاح ملهمة في مجال الاستدامة والابتكار، تبرز كيف يمكننا تحويل التحديات البيئية إلى فرص للإبداع والتقدم. وما زالت هذه التحفة المعمارية تثير الإعجاب وتلهم المهندسين والمصممين في جميع أنحاء العالم. هل أنت مستعد لزيارة هذا الملعب الرائع واكتشاف سحره بنفسك؟ شاركنا رأيك في هذا التصميم المبتكر!
