يعتبر البروتين من العناصر الغذائية الأساسية التي يحتاجها الجسم بكميات معينة لأداء وظائفه الحيوية على أكمل وجه. فمن بناء العضلات وإصلاح الأنسجة، إلى دعم الجهاز المناعي وتعزيز الشعور بالشبع، يلعب البروتين دورًا محوريًا في الحفاظ على صحة جيدة. ومع تزايد الوعي بأهمية البروتين، شهدت المنتجات الغنية به، مثل المكملات الغذائية وألواح البروتين، انتشارًا واسعًا في السنوات الأخيرة. لكن هذا الاهتمام المتزايد أدى في بعض الأحيان إلى مبالغة في الاستهلاك، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كنا نحتاج حقًا إلى هذه الكميات الكبيرة من البروتين، وهل الإفراط في تناوله قد يكون له آثار سلبية على الصحة.
هل الإفراط في تناول البروتين مضر؟
في حين أن البروتين ضروري، فإن تجاوز الاحتياجات اليومية قد لا يكون مفيدًا، بل قد يكون ضارًا. العديد من الأشخاص يعتقدون أن زيادة تناول البروتين ستؤدي حتمًا إلى زيادة الكتلة العضلية، وهو اعتقاد خاطئ. الجسم لديه قدرة محدودة على استخدام البروتين لبناء العضلات، وأي كمية زائدة يتم تخزينها أو تحويلها إلى دهون. هذا التحويل الزائد يضع عبئًا إضافيًا على الكليتين، خاصةً لدى الأفراد الذين يعانون من مشاكل صحية سابقة في الكلى. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي التركيز المفرط على البروتين إلى إهمال العناصر الغذائية الأخرى الهامة مثل الألياف والفيتامينات والمعادن، مما يؤثر سلبًا على صحة الجهاز الهضمي والوظائف الحيوية الأخرى.
تشير الدراسات إلى أن الاستهلاك المفرط للبروتين الحيواني، تحديدًا ما يتجاوز حاجة الجسم بنسبة 8%، يزيد من خطر الإصابة بزيادة الوزن والسمنة بنسبة تصل إلى 23%. وذلك لأن الجسم لا يخزن البروتين بنفس الطريقة التي يخزن بها الدهون أو الكربوهيدرات. بدلاً من ذلك، يتم تحويل البروتين الزائد إلى طاقة أو دهون. كما أن الإفراط في البروتين قد يرفع مستويات الكوليسترول والدهون في الدم، مما يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. ناهيك عن التكلفة المالية العالية للمكملات الغذائية الغنية بالبروتين، والتي قد لا تكون ضرورية لتحقيق الأهداف الصحية.
ما هي كمية البروتين المناسبة؟
تحديد كمية البروتين التي يحتاجها الجسم يعتمد على عدة عوامل، بما في ذلك الوزن والعمر ومستوى النشاط البدني. لا توجد كمية “واحدة تناسب الجميع”، ولكن يمكن اتباع بعض الإرشادات العامة:
- البالغون غير النشطين: يحتاجون إلى حوالي 0.8 جرام من البروتين لكل كيلوجرام من وزن الجسم يوميًا.
- الأشخاص الذين يمارسون الرياضة بانتظام: تزداد الحاجة إلى 1.1 – 1.5 جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم.
- ممارسو رفع الأثقال أو الأنشطة الشاقة: يحتاجون إلى 1.2 – 1.7 جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم.
- الساعون إلى زيادة الكتلة العضلية: تتراوح الحاجة بين 1.6 و 2.2 جرام لكل كيلوجرام، مع الأخذ في الاعتبار أن الجسم نادرًا ما يستفيد من كميات تتجاوز هذا الحد.
- الأشخاص فوق سن الأربعين: يُنصح بزيادة الكمية إلى 1 – 1.2 جرام لكل كيلوجرام من وزن الجسم للوقاية من فقدان الكتلة العضلية المرتبط بالتقدم في العمر، وهي حالة تعرف باسم “الساركوبينيا”.
توزيع البروتين على مدار اليوم
من المهم توزيع استهلاك البروتين على مدار اليوم، بدلًا من تناول كمية كبيرة في وجبة واحدة. يُفضل تقسيم البروتين إلى 3 أو 4 وجبات لضمان امتصاص أفضل واستفادة أكبر من هذا العنصر الغذائي الحيوي. هذا يساعد أيضًا في الحفاظ على مستويات طاقة ثابتة والشعور بالشبع لفترة أطول.
علامات تدل على استهلاك كميات كبيرة من البروتين
قد تشير بعض الأعراض إلى أنك تستهلك كميات كبيرة جدًا من البروتين، مما يستدعي مراجعة نظامك الغذائي. تشمل هذه الأعراض:
- رائحة الفم الكريهة: قد تكون ناتجة عن حالة الكيتوزية، حيث يعتمد الجسم على الدهون كمصدر للطاقة، مما يؤدي إلى إنتاج أجسام كيتونية تسبب رائحة فم شبيهة بالأسيتون.
- زيادة الوزن غير المبررة: تناول كميات كبيرة من البروتين غالبًا ما يعني استهلاك سعرات حرارية زائدة، مما يؤدي إلى زيادة الوزن.
- مشاكل في الجهاز الهضمي: قلة الألياف وارتفاع البروتين يمكن أن يسببا الإمساك أو الإسهال والغثيان وآلام المعدة.
- تأثر وظائف الكلى أو الكبد: إذا كنت تعاني من مشاكل سابقة في الكلى أو الكبد، فقد تؤدي الكميات الزائدة من البروتين إلى إجهاد هذه الأعضاء وتفاقم حالتك.
العودة إلى نظام غذائي متوازن
لتحقيق أقصى استفادة من البروتين وتجنب الآثار السلبية المحتملة، من الضروري العودة إلى نظام غذائي صحي ومتوازن. ابدأ بحساب احتياجك الفعلي من البروتين بناءً على وزنك ومستوى نشاطك، ووزّع الكمية على وجباتك مع التركيز على جودة المصادر الغذائية. زد من تناول الماء والألياف من الخضروات والحبوب الكاملة، ونوّع بين مصادر البروتين النباتي (مثل البقوليات والمكسرات والبذور) والحيواني (مثل اللحوم والدواجن والأسماك والبيض). قلّل تدريجيًا من مكملات البروتين الخارجية، وحاول الحصول على معظم احتياجاتك من الأطعمة الكاملة.
تذكر أن البروتين هو جزء مهم من نظام غذائي صحي، ولكن الاعتدال والتوازن هما المفتاح. الاستماع إلى جسدك وتعديل نظامك الغذائي وفقًا لاحتياجاتك الفردية سيساعدك على تحقيق أهدافك الصحية والحفاظ على صحة جيدة على المدى الطويل.















