بات حلم الهجرة إلى الولايات المتحدة، وخاصةً لشباب الدول العربية، يواجه تحديات متزايدة في ظل التغييرات الأخيرة في سياسات الهجرة الأمريكية. تشديد الإجراءات، الذي بلغ ذروته بعد حادثة إطلاق النار قرب البيت الأبيض، أثار قلقًا واسعًا وتخوفات حقيقية لدى الراغبين في بدء حياة جديدة في أمريكا. هذا التحول في السياسات يهدد فرص الحصول على الإقامة الدائمة والجنسية الأمريكية لمواطنين من 19 دولة، من بينها ثلاث دول عربية، وهي السودان واليمن وليبيا.
تشديد إجراءات الهجرة الأمريكية: نظرة عامة
أعلنت إدارة ترامب في الرابع من ديسمبر 2025 عن تعليق جميع طلبات الهجرة المقدمة من مواطني 19 دولة، وهو ما يشمل طلبات الحصول على البطاقة الخضراء (الإقامة الدائمة) والجنسية الأمريكية. القرار، بحسب المذكرة الرسمية الصادرة عن دائرة خدمات الهجرة والجنسية الأمريكية، يأتي في سياق “مخاوف تتعلق بالأمن القومي والسلامة العامة”. هذا الإجراء يعتبر تصعيدًا ملحوظًا في سياسة الهجرة المتشددة التي تتبعها الإدارة الحالية، خاصةً بعد عودتها إلى السلطة مطلع العام.
الدول العربية المتأثرة بالتعليق
الثلاث دول العربية المتأثرة بشكل مباشر بهذا القرار هي السودان، واليمن، وليبيا. هذه الدول بالفعل تخضع لقيود هجرة ضمن حظر سفر أوسع نطاقًا بدأ تطبيقه في يونيو الماضي، والذي شمل 12 دولة أخرى مثل أفغانستان، وبروما، وتشاد، والكونغو، وغينيا الاستوائية، وإريتريا، وهايتي، وإيران، والصومال. إضافة سبع دول أخرى حديثًا، بما في ذلك كوبا وفنزويلا، تؤكد على اتجاه الإدارة نحو مزيد من القيود، مما يجعل الهجرة إلى أمريكا أكثر صعوبة.
خلفيات القرار: حادثة إطلاق النار ومخاوف أمنية
يعود أحد الأسباب المباشرة لهذا القرار إلى حادثة إطلاق النار التي وقعت الأسبوع الماضي بالقرب من البيت الأبيض في واشنطن، حيث استهدف المهاجم فردين من الحرس الوطني. أدت الحادثة إلى وفاة أحد أفراد الحرس وإصابة الآخر بجروح خطيرة، وتم القبض على مشتبه به من أفغانستان. استندت المذكرة الرسمية إلى هذه الحادثة وغيرها من الجرائم التي يُشتبه في أن مهاجرين ارتكبوها لتبرير الإجراءات الجديدة.
إعادة فحص شاملة لطلبات الهجرة
استنادًا إلى المذكرة، سيخضع جميع المهاجرين من الدول المدرجة في القائمة لـ “عملية إعادة مراجعة دقيقة”، والتي قد تتضمن إجراء مقابلات إضافية، لتقييم التهديدات المحتملة للأمن القومي والسلامة العامة بشكل كامل. هذا يعني أن إجراءات الحصول على الإقامة الدائمة والتعامل مع طلبات اللجوء ستشهد تأخيرات كبيرة، وربما رفضًا نهائيًا للعديد من الطلبات.
ردود الأفعال: قلق وتخوفات بين المهاجرين
أثار هذا القرار موجة من القلق والتخوف بين المهاجرين الذين كانوا ينتظرون الموافقة على طلباتهم. أكد آرون ريشلين-ميلنك من مجلس الهجرة الأميركي أن بعض المتأثرين كانوا “على وشك الحصول على الجنسية بعد إتمام جميع المتطلبات”، قبل أن تتوقف معاملاتهم بشكل مفاجئ. بالنسبة لطالبي اللجوء، وخاصة القادمين من الدول العربية التي تشهد نزاعات، فإن هذا القرار يمثل ضربة قاسية لآمالهم في الحصول على حياة آمنة ومستقرة.
تأثير القرار على الشباب العربي
أحد المؤثرين العرب المقيمين في الولايات المتحدة أعرب عن قلقه من أن هذا القرار قد يدفع العديد من الشباب العربي إلى البحث عن أماكن أخرى لتقديم طلبات اللجوء. وأوضح أن العديد من هؤلاء الشباب كانوا يطمحون في العيش في أمريكا هربًا من الحروب والصراعات، ويأملون في فرص أفضل لمستقبلهم. الآن، أصبح هذا الحلم “مقيّدًا” وقد يضطرون إلى تحمل المزيد من المعاناة والانتظار في بلدانهم التي تمزقها الحروب.
ارتفاع غير مسبوق في طلبات اللجوء وتداعياته
الجدير بالذكر أن الولايات المتحدة شهدت في عام 2024 ارتفاعًا غير مسبوق في عدد طلبات اللجوء، حيث تلقت دائرة خدمات الهجرة والجنسية حوالي 420 ألف طلب لجوء إيجابي، بالإضافة إلى حوالي 851 ألف طلب لجوء دفاعي تم تقديمها عبر محاكم الهجرة. هذا التدفق الهائل من الطلبات أدى إلى تراكم كبير في الملفات المعلقة، حيث بلغ عددها حوالي 1.3 مليون طلب لدى دائرة خدمات الهجرة و 1.5 مليون قضية معلقة في المحاكم في نهاية عام 2024.
الخلاصة والخطوات التالية
تشديد إجراءات الهجرة الأمريكية يمثل تحديًا كبيرًا للمهاجرين، وخاصةً أولئك القادمين من الدول العربية التي تشهد أزمات. القرار ليس مجرد تعليق مؤقت للطلبات، بل هو علامة على تحول في السياسات الأمريكية نحو مزيد من القيود. على المتأثرين بهذا القرار، من الضروري التواصل مع منظمات حقوق المهاجرين المتخصصة للحصول على المشورة القانونية ومتابعة تطورات الوضع. من المهم أيضًا البحث عن بدائل أخرى لتقديم طلبات اللجوء، مع الأخذ في الاعتبار التحديات والصعوبات التي قد تواجههم. مستقبل الهجرة إلى الولايات المتحدة يبدو غير مؤكد، ويتطلب من الراغبين في السفر تخطيطًا دقيقًا ومواكبة مستمرة للتغييرات في السياسات.



