هذا المقال نشر باللغة الإنجليزية

بعد مرور أسبوع على الإطاحة بنظام الرئيس بشار الأسد، لا تبدو المناطق ذات الأغلبية الكردية شمال البلاد هادئة ولا مرتاحة شأنها شأن بقية المناطق السورية.

اعلان

يستوطن الأكراد شمال سوريا، وهم أكبر أقلية عرقية في البلاد، وهم أيضاً أقرب حلفاء الولايات المتحدة هناك. وبالنسبة لهذه الأقلية، فإن الصراع من أجل نظام جديد يدخل مرحلة قد تكون أكثر صعوبة.

على مدار سنوات الحرب الأهلية في سوريا، تصدى المقاتلون الأكراد للجماعات المسلحة، وتحالفوا مع واشنطن لدحر تنظيم داعش واقتطعوا منطقة حكم ذاتي إلى حد كبير في شرق البلاد الغني بالنفط حيث يحرس جنود أمريكيون تلك الآبار.

لكن تلك المكاسب أصبحت الآن في خطر. إذ أن صعود نجم المجموعات الإسلامية المسلحة المكونة في أغلبها من العرب السنة الذين أطاحوا بالأسد – بمساعدة حاسمة من تركيا، العدو اللدود للأكراد – سيجعل من الصعب على هؤلاء أن يجدوا لهم مكانًا في سوريا الجديدة ناهيك عن أن أمد الصراع قد يطول.

حاول المسلحون الذين دخلوا دمشق نهاية الأسبوع الماضي أن يقوم بمبادرات سلمية للأكراد. لكن المشهد كان مغايرا تماما في دير الزور شرق سوريا حيث تم طرد المقاتلين الأكراد من هذه المدينة طردا عنيفا وذلك بعد أيام من انسحاب قوات الجيش السوري منها.

وإلى الشمال، استولى على مدينة منبج فصيلٌ معارض آخر تدعمه أنقرة وهو يقاتل الأكراد منذ سنوات. كما نفذت تركيا غارات جوية على قافلة كردية قالت إنها كانت تحمل أسلحة ثقيلة نُهبت من المخازن الحكومية.

ولطالما اعتمد الأكراد على مساعدة واشنطن في مواجهة مثل هذه التحديات. ويوجد حوالي 900 جندي أمريكي في شرق سوريا، حيث يتعاونون مع القوات الكردية لمنع عودة تنظيم داعش لكن ثمة شكوك تحيط بمستقبل هذه المهمة ونحن على بعد أيام من بداية عهد الرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي لطالما كان متشككاً في جدوى التدخل الأمريكي في سوريا.

وفي مدينة القامشلي الحدودية مع تركيا، فقليل من يجرؤ على التفكير في السلام أو في بداية جديدة في الوقت الراهن.

وقال متحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية، التي تقودها قوات كردية وتحظى بدعم الولايات المتحدة، إنه منذ سقوط نظام الرئيس بشار الأسد “يتنقل داعش الآن بحرية في بقية أنحاء سوريا”.

“هناك المئات من مقاتلي داعش هناك، ويحملون شعارات التنظيم على زيهم ويهتفون بما يسمونها معركة الدولة الإسلامية”، كما قال سيامند علي لطاقم تصوير من محطة تلفزيون ARD الألمانية في وقت سابق من هذا الأسبوع.

وأضاف “من وجهة نظري، فإن الحكام الجدد في دمشق يتشاركون نفس أيديولوجية تنظيم داعش”.

وفي الوقت نفسه، تطرق رجل كردي للتهديد المستمر من قبل القوات التركية، فقال: “نحن نعاني من هذه الهجمات منذ أربع سنوات. تتظاهر الطائرات التركية بدون طيار بأنها تهاجم أهدافاً عسكرية. ولكنها في الواقع تضرب العديد من الأهداف المدنية. وهذا يخيف جميع السكان”.

من هم المقاتلون الأكراد المتحالفون مع واشنطن في سوريا؟

يعد الأكراد من بين أكبر المجموعات العرقية في العالم التي لا تتمتع بجنسية خاصة بها. حيث يتركز حوالي 30 مليون نسمة في منطقة تمتد بين تركيا وإيران والعراق وسوريا. وهم أقلية في كل هذه الدول، وكثيراً ما عانوا من الاضطهاد، الأمر الذي أجج الانتفاضات الكردية المسلحة.

في سوريا، أقاموا جيباً مستقلاً في وقت مبكر من الحرب الأهلية، ولم ينحازوا بشكل كامل إلى حكومة الأسد أو المتمردين الذين سعوا منذ اللحظة الأولى إلى الإطاحة به.

عندما استولى تنظيم داعش على ثلث مساحة البلاد عام 2014، ظهرت قوة المقاتلين الأكراد في المعارك المبكرة ضد المتطرفين، وحصلوا على دعم من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.

وشكلوا بعدها ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية، التي تضم أيضاً مقاتلين عربا، وطردوا تنظيم الدولة الإسلامية من مناطق واسعة من سوريا بمساعدة الغارات الجوية التي تقودها واشنطن والقوات الأمريكية الخاصة. وفي عام 2017، استولت هذه القوات التي يقودها الأكراد على الرقة، عاصمة الخلافة المزعومة لدى ما يسمى تنظيم الدولة.

اعلان

لماذا تقاتل تركيا الأكراد؟

لطالما اعتبرت تركيا قوات سوريا الديمقراطية امتداداً للتمرد الكردي المستمر منذ عقود داخل حدودها. وهي تعتبر الفصيل الكردي الرئيسي جماعة إرهابية على قدم المساواة مع تنظيم “الدولة الإسلامية”، وقالت إنه لا ينبغي أن يكون لها أي وجود في سوريا الجديدة.

في السنوات الأخيرة، قامت تركيا بتدريب وتمويل المقاتلين المعروفين باسم الجيش الوطني السوري، وساعدتهم على انتزاع السيطرة على الأراضي من الأكراد في شمال سوريا على طول الحدود مع تركيا. وقد صوّر هؤلاء المقاتلون المدعومون من تركيا أنفسهم على أنهم جزء من المعارضة ضد الأسد، لكن المحللين يقولون إن الدافع وراءهم هو الانتهازية وكراهية الأكراد.

وقد ركز الأكراد على محاربة الجيش الوطني السوري في السنوات الأخيرة. لكن القيادة الجديدة في دمشق، التي تربطها أيضاً علاقات طويلة الأمد مع تركيا، قد تفتح جبهة أخرى أطول بكثير.

كيف ينظر الثوار السوريون إلى الأكراد؟

المجموعات المسلحة تتقدمها هيئة تحرير الشام بقيادة أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم أبو محمد الجولاني، وهو مقاتل سابق في تنظيم القاعدة قطع علاقاته مع هذا التنظيم قبل ثماني سنوات ويقول إنه يريد بناء سوريا جديدة خالية من الديكتاتورية وتخدم جميع طوائفها الدينية والعرقية.

اعلان

وقال نواف خليل، رئيس مركز الدراسات الكردية ومقره ألمانيا، إن الإشارات الأولى كانت إيجابية. وقال إن المسلحين ابتعدوا عن جيبيْن تسيطر عليهما قوات سوريا الديمقراطية في حلب عندما اقتحموا المدينة قبل أسبوعين في بداية تقدمهم السريع في جميع أنحاء البلاد.

وقال “من الإيجابي أيضاً أنهم لم يتحدثوا بشكل سلبي عن قوات سوريا الديمقراطية”.

ويبقى أن نرى ما إذا كانت هذه المشاعر ستترجم على أرض الواقع. بعد اجتياح دير الزور هذا الأسبوع، نشر مقاتل من جماعة الجولاني شريط فيديو يقول فيه إنهم سيتقدمون قريباً نحو الرقة ومناطق أخرى في شرق سوريا، مما يثير احتمال وقوع المزيد من الاشتباكات مع الأكراد.

ولا يزال بإمكان المتمرّدين أن يسعوا لإبرام نوع من الاتفاق مع الأكراد بهدف دمجهم في النظام السياسي لمرحلة ما بعد الأسد، لكن ذلك سيتطلب على الأرجح قبول درجة من الحكم الذاتي الكردي في الشرق. كما أن هذا الاحتمال من شأنه إغضاب تركيا التي تبدو الآن اللاعب الأقوى في سوريا.

اعلان

هل ستدعم إدارة ترامب الأكراد؟

التقى الثلاثاء الماضي أكبر قائد عسكري أمريكي في الشرق الأوسط، الجنرال إريك كوريلا، بقوات سوريا الديمقراطية في سوريا، في إشارة إلى التزام إدارة بايدن باستمرار التحالف المبرم بين واشنطن والأكراد في مرحلة ما بعد الأسد.

لكن الأمور قد تتغير في 20 كانون الثاني/يناير.

لم يقدم ترامب سوى القليل من التفاصيل حول سياسته في الشرق الأوسط، باستثناء قوله إنه يريد إنهاء حروب المنطقة وإبقاء الولايات المتحدة خارجها.

وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي قبيل الإطاحة بالأسد، كتب ترامب أن “سوريا في حالة من الفوضى، لكنها ليست صديقتنا، ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تفعل شيئاً حيالها. هذه ليست معركتنا.”

اعلان

خلال فترة ولايته السابقة عام 2019، تخلى ترامب عن الأكراد قبل التوغل التركي، واصفًا ذلك بأنه تحقيق لوعده خلال حملته الانتخابية بإنهاء التدخل الأمريكي في “حروب المنطقة التي لا تنتهي”.

وأثارت هذه الخطوة انتقادات شديدة، بما في ذلك من جمهوريين بارزين اتهموه بخيانة حليف لهم وما لبث أن تراجع بعد أسابيع من ذلك ووافق على مهمة أوسع لتأمين حقول النفط في الشرق. وبقيت القوات في مكانها واستمر ذلك التحالف.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.