يواجه الاتحاد الأوروبي تحديًا حاسمًا في تحديد كيفية الاستمرار في دعم أوكرانيا ماليًا، مع تزايد الضغوط الداخلية والخارجية. النقاش الدائر حاليًا يركز بشكل أساسي على خيارين رئيسيين: استخدام الأصول الروسية المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي، أو اللجوء إلى الاقتراض المشترك. تتصاعد هذه الضغوط بالتزامن مع تدهور الوضع على الأرض الأوكرانية وتزايد المطالبات الغربية بتقديم دعم مستمر لكييف. هذا المقال يتناول تفاصيل هذه المعضلة، والخيارات المطروحة، والانقسامات التي تعيق التوصل إلى حل.
قمة بروكسل: البحث عن حل لتمويل الدفاع الأوكراني
تستعد قمة بروكسل الحاسمة يوم الخميس لمواجهة مسألة تمويل أوكرانيا، حيث من المتوقع أن يطالب قادة الاتحاد الأوروبي بتنفيذ الوعود المقدمة بتأمين تمويل عاجل. يأتي هذا في وقت تواجه فيه أوكرانيا ضغوطًا متزايدة للتنازل عن أراضٍ، بينما تواصل القوات الروسية تحقيق مكاسب تدريجية على الجبهات.
أكدت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، قبيل القمة أن دعم أوكرانيا هو حجر الزاوية في الدفاع الأوروبي، مشيرة إلى أن الأيام القليلة القادمة ستكون حاسمة في تحديد مستقبل هذا الدعم. وأضافت أن أوروبا يجب أن تتحمل مسؤولية أمنها، وأن الاعتماد على الآخرين لم يعد خيارًا.
خيارات التمويل المطروحة: بين الأصول الروسية والاقتراض المشترك
طرحت فون دير لاين خيارين رئيسيين لمعالجة الاحتياجات الدفاعية والمدنية لأوكرانيا خلال العامين المقبلين. الخيار الأول هو إصدار ديون مشتركة على مستوى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يثير جدلاً حول تقاسم الأعباء المالية بين الدول الأعضاء. أما الخيار الثاني، فهو ما يُعرف بـ”قرض التعويضات”، والذي يعتمد على الأصول الروسية المجمدة كضمان للقرض. هذا الخيار يهدف إلى تقليل المخاطر المالية المباشرة على ميزانية الاتحاد الأوروبي.
تمويل أوكرانيا يمثل تحديًا معقدًا يتطلب حلولًا مبتكرة ومستدامة.
بلجيكا والأصول الروسية: معضلة قانونية ومالية
تستضيف بلجيكا الجزء الأكبر من الأصول الروسية المجمدة داخل الاتحاد الأوروبي، والتي تقدر بحوالي 210 مليار يورو. ومع ذلك، فإن بلجيكا تعرب عن قلقها العميق بشأن التداعيات القانونية والمالية المحتملة لاستخدام هذه الأصول.
أعلن البنك المركزي الروسي عن نيته المطالبة بتعويضات تصل إلى 230 مليار دولار من شركة “يوروكلير” البلجيكية، وهي الجهة التي تحتفظ بمعظم الأصول السيادية الروسية. يخشى المسؤولون البلجيكيون من أن تؤدي هذه المطالبات إلى مصادرة أصول غربية في دول حليفة لموسكو، مما قد يعرض الاستقرار المالي للاتحاد الأوروبي للخطر.
الانقسامات الأوروبية: إيطاليا وألمانيا على طرفي نقيض
تظهر الانقسامات داخل الاتحاد الأوروبي بوضوح في مواقف الدول الأعضاء تجاه استخدام الأصول الروسية. تعارض إيطاليا بشدة استخدام هذه الأصول دون غطاء قانوني قوي، حيث ترى رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني أن ذلك قد يمنح روسيا “أول انتصار لها منذ بداية الحرب”. وتفضل ميلوني خيار الاقتراض الأوروبي المشترك باعتباره أكثر أمانًا.
في المقابل، يدعم المستشار الألماني فريدريش ميرتس بقوة فكرة تسخير ما يصل إلى 90 مليار يورو من الأصول الروسية لدعم أوكرانيا، معربًا عن تفاؤله الحذر بشأن التوصل إلى اتفاق. ويعتقد ميرتس أن هذا التمويل يمكن أن يغطي احتياجات الجيش الأوكراني لمدة عامين على الأقل، ويرسل رسالة سياسية قوية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
كيف يعمل “قرض التعويضات”؟
يعتمد “قرض التعويضات” على آلية مبتكرة تهدف إلى تقليل المخاطر المالية على الاتحاد الأوروبي. بموجب هذا المخطط، يتم منح أوكرانيا قرضًا بقيمة 90 مليار يورو، يتم تمويله عبر الاقتراض من “يوروكلير”. لا يتم سداد هذا القرض إلا في حالة دفعت روسيا تعويضات مستقبلية لأوكرانيا، مما يضمن عدم تحمل الاتحاد الأوروبي لأي خسائر مالية مباشرة.
على الرغم من تأكيدات مسؤولي الاتحاد الأوروبي بأن حقوق روسيا القانونية في الأصول لن تتأثر، إلا أن موسكو تصف هذه الخطوة بأنها “سرقة” وتتوعد باتخاذ إجراءات انتقامية.
عقدة الإجماع: تحديات إضافية تواجه الاتحاد الأوروبي
يشير مسؤولون أوروبيون إلى أن “قرض التعويضات” قد يكون الخيار العملي الوحيد المتاح حاليًا، نظرًا لأن استخدام ميزانية الاتحاد الأوروبي يتطلب إجماعًا من جميع الدول الأعضاء. وقد أعلنت المجر بالفعل عن نيتها استخدام حق النقض ضد أي تمويل مباشر لأوكرانيا.
في المقابل، لا يتطلب “قرض التعويضات” سوى أغلبية الدول الأعضاء، على الرغم من التحذيرات الدبلوماسية من خطورة تهميش بلجيكا أو تحميلها عبئًا منفرداً.
الخلاصة: مستقبل الدعم الأوروبي لأوكرانيا على المحك
يواجه الاتحاد الأوروبي خيارًا صعبًا: الاستمرار في دعم أوكرانيا ماليًا في وقت حرج، دون الانزلاق إلى مواجهة قانونية ومالية قد تهدد تماسكه الداخلي ومصداقيته القانونية. تمويل أوكرانيا ليس مجرد مسألة مالية، بل هو اختبار حقيقي لوحدة القرار الأوروبي وقدرته على مواجهة التحديات الجيوسياسية المعقدة.
الوضع الحالي يتطلب حوارًا بناءً وتوصلًا إلى حلول مبتكرة تأخذ في الاعتبار مصالح جميع الأطراف المعنية. من الضروري إيجاد آلية تمويل مستدامة تضمن استمرار الدعم لأوكرانيا، مع حماية حقوق الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء. النجاح في هذا المسعى سيحدد ليس فقط مستقبل أوكرانيا، بل أيضًا مستقبل النظام الأوروبي نفسه.
الكلمات المفتاحية الثانوية: الأصول الروسية المجمدة، الدعم المالي لأوكرانيا، الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا.















