في خطوة تهدف إلى تشديد الرقابة على الهجرة غير النظامية وتسريع عمليات الترحيل، أعطت دول الاتحاد الأوروبي الضوء الأخضر لإدراج إنشاء “مراكز العودة” ضمن مسودة تشريع جديد. هذا القرار، الذي اتخذته الدول الأعضاء يوم الاثنين، يثير جدلاً واسعاً بين مؤيديه الذين يرون فيه حلاً فعالاً للتعامل مع تدفقات الهجرة، ومنتقديه الذين يحذرون من تداعياته الإنسانية والقانونية. يركز هذا المقال على تفاصيل هذا التشريع الجديد، وأهدافه، والانتقادات الموجهة إليه، وتأثيره المحتمل على مستقبل الهجرة في أوروبا.
“مراكز العودة” في الاتحاد الأوروبي: نظرة شاملة على التشريع الجديد
تعتبر مسودة قانون “تنظيم العودة” جزءًا من حزمة إصلاحات أوسع نطاقًا تهدف إلى إعادة تشكيل سياسات الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي. يسمح هذا القانون للدول الأعضاء بإنشاء مراكز لإعادة المهاجرين غير النظاميين، حتى لو لم تكن هناك صلة مباشرة بين هؤلاء المهاجرين والدولة الثالثة التي سيتم إرسالهم إليها. الشرط الوحيد هو وجود اتفاقيات ثنائية مسبقة بين الدولة الأوروبية والدولة الثالثة، مما يفتح الباب أمام تعاون جديد في مجال إدارة الهجرة.
آلية عمل مراكز العودة
وفقًا للمقترح، يمكن أن تعمل هذه المراكز بطريقتين رئيسيتين. أولاً، قد تكون نقاط عبور مؤقتة يتم فيها معالجة طلبات المهاجرين قبل إعادتهم إلى بلدانهم الأصلية. ثانياً، يمكن أن تتحول إلى مرافق إقامة أطول، حيث يتم احتجاز الأشخاص الذين لا يحق لهم البقاء في الاتحاد الأوروبي لفترات قد تطول. كما يسمح القانون بإعادة الأفراد إلى دولهم الأصلية أو إلى دول ثالثة آمنة، مع التأكيد على ضرورة احترام معايير حقوق الإنسان والقانون الدولي.
إن إلغاء “معيار الارتباط” – الذي كان يشترط وجود صلة سابقة بين المهاجر والدولة الثالثة – يمثل نقطة تحول رئيسية في هذا التشريع، حيث يمنح الدول الأعضاء مرونة أكبر في تحديد الوجهات المحتملة للترحيل.
الجدل الدائر حول القانون: بين التسريع في الترحيل والمخاوف الإنسانية
يثير قانون “تنظيم العودة” جدلاً حاداً بين الأطراف المعنية. يؤكد المؤيدون، وعلى رأسهم وزير الهجرة والاندماج الدنماركي راسموس ستوكلوند، أن هذا القانون سيسرّع عمليات الترحيل ويُحدث فرقاً ملموساً في التعامل مع المهاجرين غير النظاميين. ويرجع ذلك إلى أنه يزيل العقبات الإجرائية ويعزز صلاحية أوامر الترحيل عبر الدول الأعضاء كافة.
ومع ذلك، تواجه الفكرة انتقادات واسعة من منظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان. تعتبر هذه المنظمات أن إنشاء “مراكز العودة” يمثل ممارسة غير إنسانية قد تؤدي إلى زيادة الانتهاكات بحق المهاجرين، بما في ذلك الاحتجاز التعسفي والظروف المعيشية غير اللائقة.
تحذيرات المنظمات الحقوقية
في بيان مشترك صدر في يوليو الماضي، حذرت أكثر من مئة منظمة، من بينها العفو الدولية، وأكشن إيد، وكاريتاس أوروبا، وهيومن رايتس ووتش، من أن هذا المقترح قد يدفع الاتحاد الأوروبي بعيدًا عن التزامه بالقانون الدولي. كما أعربت عن مخاوفها بشأن إمكانية فتح الباب أمام عمليات ترحيل غير قانونية، خاصةً مع غياب ضمانات كافية لحماية حقوق المهاجرين. يشكل الترحيل القسري محور هذا الجدل.
أرقام مثيرة للقلق: نسبة التنفيذ المنخفضة لأوامر الترحيل
تكشف بيانات المفوضية الأوروبية عن واقع مقلق: ففي الوقت الحالي، لا يتم تنفيذ سوى 20% فقط من أوامر الترحيل الصادرة بحق المهاجرين غير النظاميين. يسعى التشريع الجديد إلى رفع هذه النسبة بشكل كبير من خلال فرض عواقب قانونية أشد على من يرفضون التعاون مع السلطات، مثل سحب تصاريح العمل وفرض عقوبات جنائية قد تصل إلى السجن.
بالإضافة إلى ذلك، يهدد الاتحاد الأوروبي باتخاذ إجراءات صارمة ضد الدول التي ترفض استعادة مواطنيها، مما قد يؤثر على العلاقات الثنائية مع هذه الدول. وقد شهد هذا العام توترًا بين فرنسا والجزائر على خلفية تراجع عمليات إعادة المواطنين الجزائريين، وهو ما اعتبرته باريس أمرًا غير مقبول. إن هذه المسألة المتعلقة بـ إعادة القبول أصبحت نقطة خلاف رئيسية.
الاعتراف المتبادل بقرارات الترحيل: خطوة نحو توحيد السياسات
يتضمن التشريع أيضًا مبدأ الاعتراف المتبادل بقرارات الترحيل داخل الاتحاد الأوروبي. حاليًا، تكون هذه القرارات ملزمة فقط في الدولة التي أصدرتها. ولكن، بموجب القانون الجديد، ستصبح هذه القرارات سارية في جميع الدول الأعضاء، مما يعني أن المهاجر الذي يتم ترحيله من دولة ما لن يتمكن من الدخول إلى أي دولة أخرى في الاتحاد.
تعتبر هذه الخطوة بمثابة محاولة لتوحيد سياسات الهجرة واللجوء في الاتحاد الأوروبي، وضمان تطبيق موحد لأوامر الترحيل. هذا التوحيد يهدف إلى تعزيز سيادة القانون في مجال الهجرة.
مستقبل الهجرة في أوروبا: هل يمثل هذا القانون بداية عصر جديد؟
لا يزال قانون “تنظيم العودة” بحاجة إلى مصادقة البرلمان الأوروبي قبل أن يدخل حيز التنفيذ. هذه الخطوة تمثل جزءًا أساسيًا من العملية التشريعية للاتحاد الأوروبي، وقد تشهد نقاشات حادة ومحاولات لإجراء تعديلات على القانون.
بشكل عام، يمثل هذا القانون علامة فارقة في سياسات الهجرة الأوروبية، حيث يعكس تحولاً نحو نهج أكثر صرامة وتركيزًا على الترحيل. سيكون من الضروري مراقبة تأثير هذا القانون على حقوق المهاجرين، وعلى العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والدول الثالثة، وعلى المشهد السياسي في أوروبا بشكل عام. إن مستقبل الهجرة غير الشرعية في أوروبا يتشكل الآن.


