أوكرانيا تتصدى للضغوط: موقف أوروبي حازم من خطة “السلام” الأمريكية
يشهد ملف الأزمة الأوكرانية تطورات متسارعة، وتتصدر حاليًا نقاشات قادة العالم خلال قمة مجموعة العشرين في جنوب أفريقيا. فقد أعرب القادة الأوروبيون عن تحفظاتهم تجاه الخطة الأمريكية المكونة من 28 نقطة للتوصل إلى تسوية في أوكرانيا، واصفين إياها بـ “المسودة” التي تحتاج إلى تعديلات جوهرية لتلبية تطلعاتهم ومصالحهم. هذه التطورات تثير تساؤلات حيوية حول مستقبل المفاوضات، وجهود تحقيق السلام في المنطقة، وحماية سيادة أوكرانيا. تسوية أوكرانيا هي محور هذه المرحلة الحاسمة، وتتطلب توازناً دقيقاً بين الضغوط المتزايدة والرغبة في تحقيق حل عادل ومستدام.
ردود فعل أوروبية على الخطة الأمريكية
سارع القادة الأوروبيون، بمن فيهم مستشار ألمانيا فريدريش ميترس، ورئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إلى التعبير عن قلقهم بشأن بعض جوانب الخطة الأمريكية. وفي بيان مشترك، أكدوا أن أي اتفاق نهائي يجب أن يحترم بشكل كامل سيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها. وهذا الموقف يمثل رفضًا ضمنيًا للتنازلات الإقليمية الكبيرة التي تتضمنها الخطة، وعلى رأسها التخلي عن شبه جزيرة القرم ومنطقتي لوهانسك ودونيتسك لصالح روسيا.
قلق أوروبي بشأن التنازلات العسكرية
أحد أبرز أسباب القلق الأوروبي يتمثل في المقترحات التي تدعو إلى تقليص حجم الجيش الأوكراني بشكل كبير، حيث تقترح الخطة الأمريكية خفض القوات إلى 600 ألف جندي. يرى القادة الأوروبيون أن هذا الأمر سيضعف قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها، ويعرضها لخطر اعتداءات مستقبلية. وهم يؤكدون على ضرورة تعزيز القوات المسلحة الأوكرانية وزيادة حجمها، وذلك لمواجهة أي تهديدات محتملة والحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة.
الأمن الأوروبي والناتو كخط أحمر
كما شدد البيان على أن أي ترتيبات تتعلق بالأمن الأوروبي وأمن حلف شمال الأطلسي (الناتو) يجب أن تتم بموافقة كاملة من دول الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. هذا التأكيد يعكس رغبة أوروبا في الحفاظ على دورها المحوري في تحديد مستقبلها الأمني، وعدم السماح لأي طرف خارجي بفرض أجندة خاصة بها. الأمن القومي الأوكراني يرتبط بشكل وثيق بالأمن الأوروبي والأطلسي في نظر العديد من العواصم.
خطة مضادة أوروبية – هل هي قيد الإعداد؟
مع تزايد الضغوط على أوكرانيا لقبول الخطة الأمريكية، أفادت مصادر في الاتحاد الأوروبي أن مجموعة من الدول الداعمة لكييف، بقيادة فرنسا والمملكة المتحدة، تعمل على إعداد خطة مضادة. تهدف هذه الخطة إلى تقديم بديل أكثر توازناً وعدالة، يحترم سيادة أوكرانيا ويضمن أمنها المستقبلي.
ملف الأصول الروسية المجمدة
من بين القضايا الرئيسية التي تتناولها الخطة المضادة، مصير الأصول الروسية المجمدة في أوروبا، والتي تقدر بحوالي 140 مليار يورو. يدرس الاتحاد الأوروبي حاليًا آليات قانونية ومالية لاستخدام هذه الأصول في إصدار قرض تعويضات غير مسبوق لأوكرانيا، لتغطية احتياجاتها العسكرية وميزانيتها للعامين 2026 و2027. تمويل إعادة إعمار أوكرانيا هو تحد كبير يواجه المجتمع الدولي.
الخلاف حول استخدام الأصول الروسية
تتباين وجهات النظر حول كيفية التعامل مع الأصول الروسية المجمدة. تقترح الخطة الأمريكية رفع التجميد عن هذه الأصول ووضعها في صندوقين استثماريين، أحدهما لأوكرانيا والآخر لروسيا، مع استفادة الولايات المتحدة اقتصاديًا من كلا الصندوقين. في المقابل، يرى مسؤولون أوروبيون أن الإبقاء على الأصول المجمدة تحت الولاية القضائية الأوروبية يمثل أداة ضغط قوية، ويجب استغلالها لتحقيق مصالح أوكرانيا وأوروبا. وصف أحد المسؤولين هذه الجزئية بأنها “وحشية اقتصادية” في إشارة إلى إحداث ضرر اقتصادي لروسيا.
تصريحات زيلينسكي والوضع المعقد
أكد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن بلاده تواجه خيارًا صعبًا: إما الحفاظ على كرامتها، أو المخاطرة بفقدان الدعم الأمريكي. هذه التصريحات تعكس الضغوط الهائلة التي تتعرض لها أوكرانيا، والوضع المعقد الذي يواجهه قادتها. الوضع يتطلب حكمة ودبلوماسية عالية، والبحث عن حلول ترضي جميع الأطراف المعنية. فالوقت يمر، والمخاطر تتزايد، ومستقبل أوكرانيا والمنطقة بأسرها معلق على نتائج هذه المفاوضات.
الخلاصة
تُظهر ردود الفعل الأوروبية على الخطة الأمريكية بشأن أوكرانيا موقفًا حازمًا وملتزمًا بالدفاع عن سيادة أوكرانيا واحتياجاتها الأمنية. مفاوضات السلام في أوكرانيا وصلت إلى نقطة حرجة، وتتطلب بذل جهود مكثفة من جميع الأطراف المعنية. الخطة المضادة التي يجري العمل عليها من قبل الدول الأوروبية قد تمثل نقطة تحول في المفاوضات، وتقدم بديلاً أكثر توازناً وعدالة. يبقى السؤال: هل سينجح المجتمع الدولي في إيجاد حل سلمي للأزمة الأوكرانية، أم أن المنطقة ستشهد المزيد من التصعيد وعدم الاستقرار؟ النقاش مستمر، والمستقبل لا يزال غامضًا.















