10 أبريل 2010 يُعتبر يومًا مأساويًا في تاريخ بولندا، مشابهًا لـ 2 أبريل 2005، حيث أصبح كل منهما رمزًا لفقدان أرواح شخصيات بارزة في الدولة. فقد شهدت البلاد كارثة غير مسبوقة بعد تحطم طائرة توبوليف الحكومية التي كانت تقل نخبة المجتمع البولندي في منطقة سماجيسكي قرب سمولينسك، روسيا.
وكان على متن الطائرة المنكوبة كان الرئيس البولندي ليخ كازينسكي وزوجته ماريا ، إلى جانب شخصيات بارزة تمثل مختلف أطياف الدولة. من بين الضحايا آخر رئيس لبولندا في المنفى ريتشارد كاتشوروفسكي ، ورئيس الأركان العامة للجيش الجنرال فرانسيسك غاغور ، وعدة جنرالات بارزين، ونواب، وأعضاء في مجلس الشيوخ.
كما ضمت قائمة الضحايا رئيس البنك الوطني البولندي، ورجال دين، وأفراد الطاقم، بالإضافة إلى ممثلين عن عائلات ضحايا مذبحة كاتين، الذين كانوا متوجهين لإحياء الذكرى السبعين لهذه المأساة.
وتعود مذبحة كاتين إلى أبريل 1940 ، عندما أمر جهاز الأمن السوفيتي (NKVD) بتنفيذ عمليات إعدام جماعية استهدفت النخبة البولندية، بما في ذلك الضباط العسكريين وموظفي الشرطة والدولة. تم تصنيف هؤلاء كـ”أعداء للنظام السوفيتي”، وبلغ عدد القتلى أكثر من 22,000 شخص .
وظلت هذه الجريمة طي الكتمان خلال فترة الحكم الشيوعي في بولندا، ولم يُسمح حتى بذكرها علنًا إلا بعد انهيار النظام الشيوعي.
وفي عام 2010، تم تقسيم إحياء الذكرى السبعين لمذبحة كاتين إلى فعاليتين رئيسيتين. في 7 أبريل ، شارك رئيس الوزراء البولندي دونالد توسك في مراسم رسمية بدعوة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين .
الصدمة والحداد
في 10 أبريل، كان من المقرر أن يشارك الرئيس البولندي ليخ كازينسكي والوفد المرافق له في مراسم إحياء ذكرى مذبحة كاتين. وصلت إلى مطار سمولينسك طائرة صغيرة من طراز ياك-40 تقل صحفيين، بينما كان المشاركون الآخرون قد وصلوا بالفعل عبر القطار. إلى غابة كاتين، حيث ارتكبت القوات السوفيتية قبل سبعين عامًا واحدة من أسوأ الجرائم بحق الضباط البولنديين، كان الجميع ينتظرون وصول الوفد الرسمي.
وسرعان ما وصلت أنباء أولية عن تحطم الطائرة التي كانت تقل الرئيس ورفاقه. مع توالي التفاصيل، تأكد أن الحادث لم يترك ناجين. وأظهرت اللقطات المصورة من الموقع وجوه الحاضرين وقد تجمدت في صدمة، بينما خيم صمت ثقيل على المكان، وكأن التاريخ يعيد نفسه في مشهد مؤلم يعكس عمق المأساة.
لم تهز كارثة تحطم طائرة الرئاسة البولندية في 10 أبريل 2010 بولندا فقط، بل كانت أحداثها غير مسبوقة. فقد لقي عدد كبير من المسؤولين الحكوميين والسياسيين حتفهم في لحظة واحدة، وهو ما لم يحدث في تاريخ البلاد الحديث، باستثناء مقتل الرئيس الحالي آنذاك ليخ كاتشينسكي.
وبعد الصدمة الأولية التي أحدثتها الكارثة، وما تبعها من حداد وطني ووحدة مؤقتة، ظهرت روايتان متناقضتان للأحداث بسرعة. الأولى اتهمت الرئيس بأنه أجبر الطيارين على الهبوط رغم سوء الأحوال الجوية، مع تداول معلومات تسعى إلى تشويه سمعة الطيارين ونكران كفاءتهم. ومع ذلك، تم تكذيب هذه الاتهامات لاحقًا.
أما الرواية الثانية، فاعتبرت أن الحادث لم يكن مجرد تحطم طائرة، بل كان عملية اغتيال مدبرة. يشير أصحاب هذه النظرية إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ربما كان وراء العملية، كرد فعل على دعم كاتشينسكي لجورجيا خلال حرب عام 2008.
ومنذ 10 أبريل 2010حتى اليوم، لا تزال بولندا منقسمة بشأن تقييم أحداث ذلك اليوم، حيث توصلت لجان تحقيق مختلفة إلى نتائج متباينة.
وما زال هذا الموضوع يتردد صداه بين البولنديين، خاصة أثناء الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية، سواء في إطار البحث عن المسؤولين عن الكارثة أو في سياق إحياء ذكرى الضحايا. وحتى الآن، يبقى حطام الطائرة والصندوقان الأسودان على الأراضي الروسية.
وفي تطور لافت، أصبحت نظرية التفجير – التي كانت مرفوضة ومستهجنة في البداية – تُؤخذ على محمل الجد من قبل بعض السياسيين الأجانب. وقد أثار هذه الفرضية، بين آخرين، رئيس أوكرانيا فولوديمير زيلينسكي، مما أضاف بعدًا جديدًا للجدل المستمر حول هذه المأساة.
التحقيقات في كارثة سمولينسك: طلب توقيف خبراء روس وجدل حول التشريحات
وفي تطور جديد، قرر المدعون العامون البولنديون الذين يحققون في كارثة تحطم طائرة سمولينسك تقديم طلب “التوقيف التحفظي” ضد 43 خبيرًا روسيًا في الطب الشرعي. يأتي هذا القرار بعد ثبوت عدم صحة آرائهم الطبية الشرعية التي تم تقديمها عقب تشريح جثث ضحايا الكارثة في موسكو. وكانت القضية قد أثارت جدلًا منذ البداية، خاصة بعد اكتشاف أن جثث ثمانية من الضحايا تم تشريحها بالخطأ.
وعلى مدى فترة طويلة، حققت النيابة العامة البولندية في مسألة وجود مخالفات في السجلات الطبية الروسية المتعلقة بالتشريحات. بناءً على ذلك، أوصت باستخراج جثث ضحايا الكارثة لإجراء فحوصات جديدة، لكن بعض عائلات الضحايا عارضت هذه الخطوة، مما أضاف تعقيدًا إضافيًا للقضية.
وفي سياق متصل، تستمر الإجراءات القضائية ضد المقدم الروسي بافل ب. واثنين آخرين من المراقبين الجويين الروس، الذين يشتبه في تورطهم في الحادث. والتحقيق الرئيسي يركز على دورهم المحتمل في كارثة تحطم الطائرة التي أسفرت عن مقتل جميع ركابها.
وفي إطار إحياء الذكرى الخامسة عشرة لمأساة سمولينسك، سيُقام قداس صباحي ومسائي في كاتدرائية وارسو الأقداسية، كنيسة استشهاد القديس يوحنا المعمدان. ومن بين الحضور رئيس الجمهورية أندريه دودا، ورئيس حزب القانون والعدالة ياروسلاف كاتشينسكي، الذي كان شقيقه وزوجة أخيه ضمن ضحايا الكارثة.
كما ستتضمن الفعاليات وضع أكاليل من الزهور على النصب التذكارية ومقابر الضحايا، بالإضافة إلى تنظيم مسيرة تذكارية تحمل صور جميع ضحايا تحطم الطائرة في سمولينسك.