في خضمّ الأزمة السودانية المتصاعدة، تتجه الأنظار نحو الدور التركي المتزايد في دعم الاستقرار الإقليمي. استقبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قائد الجيش السوداني عبد الفتاح البرهان في أنقرة، مؤكدًا على تعزيز التعاون الثنائي في مجالات حيوية، من التجارة والدفاع إلى المساعدات الإنسانية. هذه الخطوة تأتي في ظلّ تصاعد القتال وتدهور الأوضاع الإنسانية في السودان، مما يجعل العلاقات السودانية التركية محور اهتمام إقليمي ودولي.
استقبال البرهان في أنقرة: رسائل واضحة
استقبل الرئيس إردوغان الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بمراسم استقبال رسمية في القصر الرئاسي بأنقرة، في زيارة تأتي استجابة لدعوة رسمية. على الرغم من الصمت الإعلامي النسبي الذي لف اللقاء، إلا أن الصور المنشورة تعكس عمق العلاقات بين البلدين.
أكد إردوغان، في بيان صادر عن الرئاسة التركية، على دعم أنقرة المستمر للجيش السوداني، سواءً من خلال الدعم العسكري أو الاقتصادي، بالإضافة إلى تقديم المساعدات الإنسانية للسكان المتضررين. كما شدد على التزام تركيا بالحفاظ على السلام والاستقرار وسلامة الأراضي السودانية، مع التركيز على ضرورة تحقيق وقف إطلاق النار وإرساء سلام دائم. هذا الدعم يمثل جزءًا من استراتيجية تركية أوسع نطاقًا تهدف إلى تعزيز نفوذها في المنطقة.
تفاصيل المباحثات وأجندة التعاون
لم تكشف السلطات التركية عن تفاصيل المباحثات بشكل كامل، لكنها أشارت إلى أن اللقاء عكس “مدى التطور والنماء الذي وصلت إليه العلاقات السودانية التركية”. وتشمل مجالات التعاون المقترحة التجارة، والزراعة، والصناعات الدفاعية، والتعدين. هذا التنوع في مجالات التعاون يعكس رغبة البلدين في بناء شراكة استراتيجية طويلة الأمد. التعاون الاقتصادي مع السودان يمثل فرصة لتركيا لتعزيز استثماراتها في أفريقيا، بينما يمثل للسودان شريان حياة في ظل الأزمة الاقتصادية الحادة.
الأزمة السودانية وتصعيد القتال
تأتي زيارة البرهان إلى أنقرة في وقت حرج يشهد فيه السودان تصعيدًا خطيرًا في القتال. قوات الدعم السريع سيطرت على مدينة بابنوسة في ولاية غرب كردفان في الثاني من ديسمبر الجاري، مما أدى إلى نزوح عشرات الآلاف من السكان. كما تشهد ولايات إقليم كردفان اشتباكات متواصلة منذ أسابيع.
منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023، بسطت قوات الدعم السريع سيطرتها على معظم مناطق دارفور، بينما يسيطر الجيش على غالبية الولايات الأخرى، بما في ذلك العاصمة الخرطوم. وقد أسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 13 مليون شخص، بالإضافة إلى انتشار واسع لانتهاكات حقوق الإنسان وتفاقم المجاعة. هذه الأزمة الإنسانية تتطلب تدخلًا عاجلاً من المجتمع الدولي.
الدعم الخارجي وتوازنات القوى
تعتبر تركيا من أبرز الداعمين الخارجيين للجيش السوداني، خاصةً من خلال تزويده بالطائرات المسيرة. في المقابل، تتهم تقارير خبراء مستقلين الإمارات بتقديم دعم لوجستي وعسكري لقوات الدعم السريع، وهو ما تنفيه أبوظبي. هذا الدعم الخارجي يعكس توازنات القوى الإقليمية المعقدة، ويساهم في إطالة أمد الصراع. الدعم التركي للجيش السوداني يمثل رسالة واضحة حول موقف أنقرة من الأزمة، ويعكس حرصها على الحفاظ على مصالحها في المنطقة.
مستقبل العلاقات السودانية التركية
على الرغم من استمرار القتال على الأرض، تشهد العلاقات بين أنقرة والخرطوم تطورًا ملحوظًا، ترعاه القيادتان مباشرة. وتشير الرئاسة التركية إلى “التنسيق المحكم بين اللجان الوزارية المشتركة” كأحد ركائز هذا التقدم. هذا التنسيق يشمل مجالات متعددة، بما في ذلك الأمن، والاقتصاد، والتجارة.
من المتوقع أن تستمر تركيا في لعب دور فعال في الأزمة السودانية، سواءً من خلال دعم الجيش السوداني أو من خلال تقديم المساعدات الإنسانية. كما من المرجح أن تسعى أنقرة إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع السودان، والاستفادة من الفرص الاستثمارية المتاحة. الاستثمار التركي في السودان يمكن أن يلعب دورًا حاسمًا في إعادة بناء البلاد بعد انتهاء الصراع.
في الختام، يمثل اللقاء بين إردوغان والبرهان خطوة مهمة في مسار العلاقات السودانية التركية. في ظلّ الأزمة السودانية المتفاقمة، يمثل الدعم التركي للجيش السوداني والمساعدات الإنسانية للسكان المتضررين، عنصرًا أساسيًا في جهود تحقيق الاستقرار الإقليمي. من الضروري متابعة تطورات الأوضاع في السودان، وتقييم تأثير الدعم الخارجي على مسار الصراع، والعمل على إيجاد حلول سياسية تضمن وقف إطلاق النار وإرساء السلام الدائم.


