تضاعفت تكلفة استيراد الشاحنة الواحدة من الضفة الغربية إلى غزة من 300 دولار قبل الحرب، إلى ما بين 5000 و35 ألف دولار حالياً، تبعاً لقيمة البضائع، مع إضافة 3000 دولار كـ”رسوم حماية”، و4000 دولار كحد أدنى لرسوم النقل

سكان غزة بين نار الغلاء وأزمة إنسانية على شفا الكارثة

اعلان

تشهد أسواق قطاع غزة ارتفاعًا حادًا في الأسعار، وسط تدهور غير مسبوق للاقتصاد المحلي، الذي فقد نحو 93% من قوته الشرائية منذ بدء الحرب، وفق تقديرات اقتصادية محلية. وتواجه الأسر الغزية صعوبات بالغة في تلبية احتياجاتها الأساسية، مع عجز المساعدات الإنسانية المحدودة عن سد الفجوة، حيث تُغطي نحو 13% فقط من الاحتياجات اليومية للسكان. 

ولا تُجدي المحاولات المتقطعة لإدخال سلع عبر المعابر المغلقة في تخفيف الأزمة، وسط تحذيرات من انهيار كامل للبنية الاقتصادية، التي تعاني من تدمير شبه كامل للمصانع وفراغ الأسواق من المنتجات الأساسية. وتُسلط الأرقام الضوء على تداعيات إنسانية خطيرة، بينها انتشار الفقر المدقع وانعدام الأمن الغذائي، ما دفع منظمات دولية إلى وصف الوضع بـ”الكارثي“. 

وفي ظل غياب حلول مُلموسة، تتحمل الأسر العبء الأكبر، حيث تُجبر النساء على إدارة ميزانية منزلية هزيلة، بينما يعاني الأطفال من تداعيات سوء التغذية. وتُحذر تقارير محلية وأممية من تفاقم الأزمة مع استمرار تعطل عجلة الإنتاج وتراجع فرص التشغيل، في مشهد يُعيد إلى الأذهان أسوأ السيناريوهات التي مر بها القطاع على مدار عقود.

 

عوامل متشابكة تُغذّي أزمة الأسعار.. وسكان يواجهون “معادلة مستحيلة”

تشهد أسواق قطاع غزة ارتفاعاتٍ غير مسبوقة في أسعار السلع الأساسية، نتيجة تداخل عوامل اقتصادية ولوجستية، أبرزها تعطّل سلاسل التوريد، وارتفاع تكاليف النقل، وتقلبات أسعار العملات، إضافةً إلى تراجع الدعم الدولي وانخفاض حجم المساعدات الإنسانية التي لا تُغطي من الاحتياجات اليومية للسكان، وفق بيانات محلية. 

وما يساهم في تفاقم الأزمة، ممارساتُ احتكار بعض التجار للسلع، مع تشديد السلطات الإسرائيلية قيودها على دخول البضائع عبر المعابر. وقد أدى هذا إلى اختلال حادّ في توازن العرض والطلب، وتحوّل مواد أساسية مثل الخضروات إلى سلعٍ “ترفيهية” أمام 80% من السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر، بحسب إحصائيات أممية. 

 

شهادات: “المعابر مقفلة.. والتجار يتحكمون بالسوق”

أشار محمد الشخريت، تاجر مواد تموينية في دير البلح، إلى أن “الإغلاق الكامل للمعابر حال دون تدفق السلع، رغم اتفاق التهدئة الأخير”، معتبرًا أن “القيود الإسرائيلية على أنواع وكميات البضائع، مع احتكار محلي لتجار، حوّلا الأزمة إلى كابوس”. 

من جهته، لفت ثائر الفليت، بائع خضار في إحدى البسطات، إلى أن “أسعار السوق قفزت مع دخول شهر رمضان، بسبب الإغلاق الإسرائيلي المفاجئ للمعابر وتراجع المخزون”، مضيفًا في حديثه أن “فئةً من التجار ترفع الأسعار عبر إطلاق السلع بكميات محدودة، ما يخلق سوقًا موازيةً بأسعار خيالية”. 

يحذّر خبراء اقتصاد من تداعيات استمرار الأزمة، خاصة مع تدهور القدرة الشرائية للسكان، وتدمير البنية الإنتاجية، وفق تقارير محلية. كما تُشير منظمات إغاثة إلى تزايد معدلات انعدام الأمن الغذائي، في ظل عجز الأسر عن تأمين أبسط الاحتياجات، وسط غياب حلولٍ عاجلةٍ لتسهيل تدفق المساعدات أو إعادة إعمار القطاع. 

ما يضفي على الأوضاع في غزة تشهد توترًا مع استمرار تعطيل إدخال الوقود والمواد الخام، ما يُهدد بشلل كامل في الخدمات الأساسية، ويزيد من معاناة السكان الذين يُكافحون للبقاء في مواجهة أسعارٍ “لا ترحم”.

آليات معقدة لدخول البضائع تعيق تلبية الاحتياجات

تخضع عملية تنسيق دخول بضائع التجار إلى إجراءاتٍ معقدة تُشرف عليها ما تُعرف بـ”دائرة الاقتصاد” التابعة للجيش الإسرائيلي، والتي نقلت مقرَّها مؤخراً إلى معبر بيت حانون “إيرز” شمال القطاع. وتُحدد هذه الدائرة أنواع وكميات السلع المسموح بإدخالها، مع فرض قيودٍ تعسفيةٍ تزيد من تعقيد الأزمة الإنسانية، في وقتٍ يعتمد فيه مليونَا غزيٍّ بشكلٍ شبه كامل على هذه البضائع التي تصلُ بوتيرةٍ لا تلبي سوى جزءٍ يسير من احتياجات السوق المُنهك أساساً.

من جانبها، أكدت هيئة التنسيق الحكومية الإسرائيلية (COGAT) – المسؤولة عن الشؤون الإنسانية في غزة – أن السماح للتجار بنقل المساعدات الإنسانية إلى القطاع مشروطٌ باجتيازهم “فحوصات أمنية مشددة”، وفق آلياتٍ تهدف – بحسب بيان الهيئة – إلى ضمان عدم تسريب مواد قد تُستغل في أنشطة عسكرية.

من يدير سوق غزة وكيف يتحكم به؟!

كشف التاجر م.ب – رفض الكشف عن اسمه بالكامل – عن احتكار خمسة تجارٍ لعملية إدخال البضائع إلى قطاع غزة، ما يمنحهم سيطرة مُباشرة على أسعار السوق، موضحاً أن العملية تتم عبر طريقتين: الأولى بالتنسيق مع الجهات الإسرائيلية، والثانية بشراء “أذونات” من منظمات دولية، تُحوَّل لاحقاً إلى سلعٍ تُروَّج وفقاً لشروطهم، مع فرض أسعارٍ مُحددة. 

وأشار التاجر إلى أن “قطاع الاقتصاد في غزة يعيش فوضىً تنظيميةً بسبب غياب الرقابة”، لافتاً إلى فرض عناصر تابعة لحكومة غزة (التابعة لحماس) ضوابطَ مالية على التجار، مثل تأمينٍ ماليٍّ قيمته 4000 دولار لكل شاحنة، ما ينعكس ارتفاعاً إضافياً على أسعار المستهلكين. 

اعلان

وأشار المتحدث إلى تضاعف تكلفة استيراد الشاحنة الواحدة من الضفة الغربية إلى غزة من 300 دولار قبل الحرب، إلى ما بين 5000 و35 ألف دولار حالياً، تبعاً لقيمة البضائع، مع إضافة 3000 دولار كـ”رسوم حماية”، و4000 دولار كحد أدنى لرسوم النقل. 

إمدادات بالقطّارة لا تتجاوز 15% من الاحتياجات

كشف الصحفي والباحث الاقتصادي أحمد أبو قمر عن انهيارٍ شبه كامل في منظومة الإمدادات في غزة، حيثُ لم يَعُد عدد الشاحنات التي تدخل القطاع يومياً يتجاوز 13-15% من المعدلات السابقة للحرب الأخيرة التي بدأت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بعد شن حركة حماس عملية طوفان الأقصى. وأوضح أبو قمر أن القطاع كان يحتاج قبل الحرب إلى ما يقارب 400 شاحنة يومياً لتلبية احتياجاته الأساسية، لكن السلطات الإسرائيلية تمنع بشكل شبه كامل دخول الشاحنات منذ اندلاع الحرب، فيما لا يُسمح في أفضل الأحوال بدخول 40 إلى 50 شاحنة فقط عبر المنافذ المفتوحة بشكل متقطع، في إطار ما يُعرف بـ “سياسة التقطير”. 

وأضاف أبو قمر قائلا: “الكميات الحالية لا تكاد تُغطي 10% من الاحتياجات الفعلية، خاصة مع تدمير البنية التحتية ونزوح مئات الآلاف من السكان الذين يعتمدون بشكل كلي على المساعدات”. وتُفاقم هذه السياسة من الكارثة الإنسانية، حيثُ تتحول المواد الأساسية إلى سلعٍ نادرةٍ تُباع بأسعارٍ خيالية، في مشهدٍ يُنذر بتحوُّل الأزمة إلى مجاعةٍ جماعية. 

ولا تقتصر”سياسة التقطير” الإسرائيلية على تقييد عدد الشاحنات، بل تشمل أيضاً فرض قيود لوجستية تعسفية على نوعية البضائع المسموح بها، ما يُحوّل عملية إنقاذ سكان من خطر المجاعة إلى معركة يومية لأجل البقاء.

اعلان

 تُلقي هذه الممارسات بظلالها على الأزمة الإنسانية في القطاع المدمّر، حيث تتحالف عواملُ الاحتكار الخارجي والداخلي، وارتفاعُ التكاليف، وغيابُ الشفافية، لدفع الأسعار إلى مستوياتٍ خيالية، في مشهدٍ يُحمِّل المواطن الغزيّ فاتورةً باهظةً لا قبل له بها.

 

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.