كشفت الأمم المتحدة عن اختيار الرئيس العراقي السابق برهم صالح لمنصب المفوض السامي الجديد لشؤون اللاجئين، وهو قرار تاريخي يمثل تحولاً في طريقة اختيار قيادات المنظمة الدولية. هذا التعيين، الذي يأتي في ظل أزمة لاجئين عالمية غير مسبوقة، يضع مسؤولية كبيرة على عاتق صالح لقيادة جهود الإغاثة والدعم للملايين من النازحين حول العالم.
برهم صالح: مفوضًا ساميًا جديدًا لشؤون اللاجئين – اختيار تاريخي
يمثل اختيار برهم صالح لهذا المنصب البارز، ثاني أعلى منصب في الأمم المتحدة بعد منصب الأمين العام، نقطة تحول هامة. فمنذ 75 عامًا، لم يشغل هذا المنصب شخصية من منطقة الشرق الأوسط، حيث كان تقليديًا حكرًا على دبلوماسيين من الدول المانحة الكبرى، خاصة الأوروبية. هذا الاختيار يعكس اعترافًا متزايدًا بأهمية تمثيل المناطق المتأثرة بالأزمات الإنسانية في مواقع صنع القرار.
وفقًا لرسالة رسمية صادرة عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، سيبدأ برهم صالح ولايته التي تبلغ خمس سنوات اعتبارًا من الأول من يناير/كانون الثاني 2026، بعد الحصول على موافقة اللجنة التنفيذية للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
منافسة قوية وتحديات جمة تواجه المفوضية
شهدت المنافسة على هذا المنصب مشاركة واسعة، حيث تقدم نحو عشرة مرشحين من خلفيات متنوعة، بما في ذلك سياسيون وأطباء طوارئ وشخصيات تلفزيونية، وحتى مسؤول تنفيذي في شركة “إيكيا”. أكثر من نصف المرشحين كانوا من أوروبا، مما يؤكد على التغيير الذي يمثله اختيار برهم صالح.
يتسلم صالح منصبه في وقت تواجه فيه المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تحديات غير مسبوقة. فقد ارتفع عدد النازحين واللاجئين عالميًا إلى مستويات قياسية، تقترب من ضعف ما كانت عليه عند تولي فيليبو غراندي، المفوض السامي السابق، منصبه قبل قرابة عقد. بالإضافة إلى ذلك، تعاني المفوضية من نقص حاد في التمويل، نتيجة لخفض الولايات المتحدة مساهماتها المالية وتوجيه دول مانحة أخرى جزءًا من ميزانياتها إلى قطاع الدفاع في ظل التوترات الدولية المتصاعدة. هذه التحديات تتطلب قيادة حكيمة وخبرة واسعة، وهو ما يتمتع به برهم صالح.
مسيرة برهم صالح: من كردستان إلى الأمم المتحدة
ولد برهم أحمد صالح عام 1960 في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراق، لعائلة ذات تاريخ طويل في النشاط الثقافي والاجتماعي. خلال سنوات دراسته الثانوية، تعرض للاعتقال من قبل نظام حزب البعث، مما يمثل أول مواجهة مباشرة له مع النظام السياسي الذي كان يحكم البلاد.
التعليم والنشاط السياسي
غادر صالح العراق لاستكمال دراسته في المملكة المتحدة، حيث حصل على بكالوريوس في الهندسة المدنية من جامعة كارديف عام 1983. ثم واصل مسيرته الأكاديمية وحصل على درجة الدكتوراه في الإحصاء وتطبيقات الحاسوب في الهندسة من جامعة ليفربول عام 1987.
انضم إلى الاتحاد الوطني الكردستاني عام 1976، وتدرج في مناصبه حتى أصبح نائبًا للأمين العام للحزب. كما تولى رئاسة حكومتين في إقليم كردستان، قبل أن ينتخب رئيسًا لجمهورية العراق عام 2018، وشغل هذا المنصب حتى عام 2022. هذه المسيرة السياسية والأكاديمية الغنية تجعل منه شخصية مؤهلة تمامًا لقيادة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين.
مستقبل العمل الإنساني: دور برهم صالح في مواجهة الأزمات
إن تولي برهم صالح لمنصب المفوض السامي لشؤون اللاجئين يمثل فرصة هامة لإعادة النظر في استراتيجيات التعامل مع أزمة اللاجئين العالمية. يتطلب الوضع الحالي حلولًا مبتكرة وشاملة، مع التركيز على معالجة الأسباب الجذرية للنزوح، وتوفير الحماية والدعم للاجئين والنازحين، وتعزيز التعاون الدولي.
بالإضافة إلى ذلك، يجب على المفوضية السامية لشؤون اللاجئين العمل على زيادة الوعي العام بقضايا اللاجئين، وحشد الدعم المالي والسياسي لجهود الإغاثة الإنسانية. إن خبرة برهم صالح في السياسة والأكاديميا، بالإضافة إلى فهمه العميق للتحديات التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، ستكون ذات قيمة كبيرة في تحقيق هذه الأهداف. كما أن خبرته في إدارة الأزمات في إقليم كردستان ستساعده في التعامل مع الأزمات الإنسانية المعقدة حول العالم.
إن نجاح برهم صالح في هذا المنصب الحيوي سيعتمد على قدرته على بناء شراكات قوية مع الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني، وتقديم حلول مستدامة لمعالجة أزمة اللاجئين العالمية. كما أن العمل الإنساني يتطلب تضافر الجهود وتقديم الدعم اللازم للمفوضية السامية لشؤون اللاجئين لتمكينها من أداء مهامها على أكمل وجه. إن أزمة اللاجئين تتطلب حلولًا عاجلة وشاملة، وبرهم صالح هو الشخص المناسب لقيادة هذه الجهود.



