أكد الاتحاد الأوروبي أن أي مسار لإنهاء الحرب في أوكرانيا يجب أن يتم بالتنسيق الكامل مع كييف وبروكسل، مشددا على أن أي خطة لا يمكن بحثها أو المضي بها من دون مشاركتهما، وذلك مع تزايد التقارير عن مقترح أميركي روسي غير معلن يتضمن تنازلات واسعة من الجانب الأوكراني. هذا التأكيد يأتي في ظل مخاوف أوروبية متزايدة من محاولات للتوصل إلى تسويات خلف الكواليس قد تقوض جهود أوكرانيا وسيادة أراضيها.

تصاعد المخاوف الأوروبية بشأن مبادرات السلام السرية

مع تداول تقارير عن خطة سلام جديدة، شدد كبار الدبلوماسيين الأوروبيين الخميس 20 تشرين الثاني/نوفمبر على أن أي مبادرة دولية لا يمكن أن تكون قابلة للحياة إذا لم تتم بالتنسيق مع أوكرانيا والاتحاد الأوروبي. الخوف الأساسي يدور حول إمكانية التوصل إلى اتفاق يفرض شروطًا غير مقبولة على أوكرانيا، مما يقوض دعم أوروبا المستمر لها. وقالت كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، خلال اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد السبعة والعشرين في بروكسل، إن “أي خطة لا بد أن تكون مقنعة للأوكرانيين والأوروبيين”. هذا يعني أن أي حل يجب أن يحترم السيادة الأوكرانية ويضمن أمنها المستقبلي.

“السلام ليس استسلامًا”: الموقف الأوروبي الثابت

وشدد وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو على أن “السلام لا يمكن أن يعني الاستسلام”، مؤكدا أن الأوكرانيين “يرفضون دائما أي صيغة تحمل هذا المعنى”، وأن أوروبا ملتزمة بسلام “عادل” و”دائم”. هذا التصريح يعكس الإصرار الأوروبي على أن أي تسوية يجب أن تكون مبنية على مبادئ القانون الدولي والعدالة، وليس على إملاءات من قوى خارجية. من جهته، أكد وزير الخارجية البولندي رادوسواف سيكورسكي إن أوروبا، بصفتها الداعم الأساسي لأوكرانيا، “تتوقع أن تتم استشارتها”، محذرا من أن الأولوية هي “الحد من قدرة روسيا على الإضرار، لا فرض قيود على دفاعات الضحية”. هذا التحذير يوجه رسالة واضحة إلى أي طرف يسعى لتقويض قدرة أوكرانيا على الدفاع عن نفسها.

ودعم وزير الخارجية الألماني يوهان واديفول هذا التوجه، مؤكدا أن “جميع المفاوضات المتعلقة بوقف إطلاق النار والتطورات السلمية المستقبلية في أوكرانيا يجب أن تناقش مع كييف، وأن أوروبا يجب أن تشارك”. كما أضاف سيكورسكي أن أوروبا، بصفتها الممول العسكري الأساسي لأوكرانيا، “من الطبيعي أن تتم استشارتها”، مشددا على أهمية حماية أمن القارة في أي تسوية محتملة. هذا التأكيد على المشاركة الأوروبية يعكس الدور الحيوي الذي تلعبه أوروبا في دعم أوكرانيا والبحث عن حل سلمي للصراع.

تفاصيل المقترح المثير للجدل: تنازلات إقليمية وعسكرية

بحسب ما نقل موقع “أكسيوس” عن مصادر مطلعة، فإن المقترح الأميركي الروسي غير النهائي يطالب أوكرانيا بالتنازل عن أراض تسيطر عليها روسيا منذ سنوات، والسماح لموسكو بفرض سيطرة فعلية على كامل منطقة دونباس الشرقية. كما يقترح خفضا كبيرا في القدرات العسكرية الأوكرانية، وصولا إلى التخلي عن أسلحة محددة والتراجع عن جزء من المساعدات العسكرية الأميركية الحيوية. هذه الشروط، إذا ما تم فرضها، ستضعف أوكرانيا بشكل كبير وتقوض قدرتها على حماية أراضيها وشعبها.

وتشير المصادر إلى أن ستيف ويتكوف، مبعوث الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وكيريل ديمترييف، المقرب من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هما الشخصيتان الأساسيتان في صياغة المقترح. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان ترامب وبوتين قد دعما الخطة بشكل كامل. ومع ذلك، فإن مجرد وجود مثل هذا المقترح يثير قلقًا بالغًا في أوروبا، خاصة وأن أي تنازلات إقليمية ستعتبر بمثابة مكافأة للعدوان الروسي.

ردود الفعل الدولية ومستقبل المفاوضات

واشنطن، على الرغم من امتناعها عن التعليق المباشر، أكدت سعيها إلى “تسوية تنهي حرب أوكرانيا وروسيا” بهدف وقف “القتل والمجازر التي تطال الأبرياء”. وقال وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو إن المسؤولين الأميركيين “يضعون أفكارا محتملة” من أجل اتفاق سلام دائم يتطلب “تنازلات صعبة ولكن ضرورية”. ومع ذلك، فإن التحركات الدبلوماسية التي بذلتها إدارة ترامب لم تحقق اختراقا واضحا حتى الآن.

في المقابل، يرى دبلوماسيون في الاتحاد الأوروبي أن روسيا غير جادة في حديثها عن الرغبة في السلام، مشيرين إلى أن الكرملين لا يقدم أي تنازلات بينما يواصل حرب الاستنزاف ضد أوكرانيا. واعتبرت كايا كالاس أن استهداف البنية التحتية المدنية في أوكرانيا يؤكد أن “روسيا لو كانت تريد فعلا السلام، لكانت وافقت على وقف إطلاق نار غير مشروط منذ فترة”. هذا الاتهام يشير إلى أن روسيا تستخدم المفاوضات كغطاء لمواصلة عدوانها.

تحديات تواجه كييف في ظل الضغوط المتزايدة

يواجه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ضغوطا داخلية وخارجية متزايدة. فمن ناحية، هناك فضيحة فساد كبيرة هزت قطاع الطاقة، ومن ناحية أخرى، هناك الحاجة إلى تأمين استمرار الدعم الأوروبي في ظل التفوق العسكري الروسي. ويزيد الحديث المتصاعد عن “خطة سلام سرية” من التحديات أمام كييف، خاصة وأن أي تسوية تفرض عليها بتنازلات إقليمية ستعد في الداخل الأوكراني بمثابة استسلام، وهو خيار يرفضه زيلينسكي بشكل واضح. الحرب في أوكرانيا لا تزال في منعطف حاسم، ومستقبل المفاوضات يعتمد على مدى التزام الأطراف الدولية بمبادئ القانون الدولي والسيادة الأوكرانية. الأمن الأوروبي مرتبط بشكل وثيق باستقرار أوكرانيا، وأي حل للصراع يجب أن يضمن حماية مصالح جميع الأطراف المعنية. المفاوضات السياسية هي السبيل الوحيد لإنهاء هذه الحرب المدمرة، ولكن يجب أن تتم بشفافية ومشاركة كاملة من أوكرانيا والاتحاد الأوروبي.

شاركها.
اترك تعليقاً