إضراب عام في البرتغال يهدد بشلّ البلاد احتجاجًا على إصلاحات العمل
من المتوقع أن تشهد البرتغال يوم الخميس المقبل إضرابًا عامًا واسع النطاق، دعت إليه كل من الاتحاد العام لنقابات العمال (CGTP) والاتحاد العام للعمال البرتغاليين (UGT)، مما يهدد بشلّ العديد من القطاعات الحيوية. يأتي هذا الإضراب احتجاجًا على حزمة الإصلاحات العمالية المثيرة للجدل التي قدمتها الحكومة، والتي يراها النقابيون بمثابة تراجع عن الحقوق التي تم تحقيقها، واستعادة لأجواء التقشف التي سادت خلال فترة “الترويكا”. هذا الإضراب العام يمثل تصعيدًا كبيرًا في التوتر بين الحكومة والنقابات، ويشير إلى حالة استياء متزايدة بين العمال البرتغاليين.
أسباب الإضراب: عودة إلى سياسات الماضي؟
السبب المباشر وراء هذا الإضراب هو مشروع قانون مراجعة تشريعات العمل الذي يناقش حاليًا في المجلس الاجتماعي. النقابات تخشى أن هذه التغييرات ستضعف الحماية القانونية للعمال، وتزيد من مرونة سوق العمل على حساب استقرارهم الوظيفي. تحديدًا، يثير مشروع القانون قلقًا بشأن قواعد الفصل من العمل وإعادة تفعيل نظام “بنك الساعات الفردية”، الذي يسمح لأصحاب العمل بتعويض العمال عن ساعات العمل الإضافية بمنحهم أوقات راحة لاحقة، وهو ما يعتبره النقابيون وسيلة لتقليل الأجور وزيادة ساعات العمل الفعلية.
الأمين العام للجنة العمال في UGT، ياغو أوليفيرا، عبر عن قلقه الشديد من خلال مقارنة الوضع الحالي بالماضي، قائلاً: “من كان في الحكومة عام 2012؟ إنهم نفس الأشخاص الذين يقودون هذه المراجعة اليوم. تتغير الحجج، ولكن الهدف يبقى واحداً.” ويضيف أوليفيرا أن الحجة التي استخدمت في عام 2012، وهي ضرورة التقشف بناءً على توصيات “الترويكا”، قد استبدلت اليوم بذريعة “الإنتاجية والتحديث”، لكن النتيجة النهائية هي نفسها: “انتزاع الحقوق وزيادة عدم الاستقرار.” هذا الشعور بالتشابه مع سياسات التقشف السابقة يتردد صداه بين العديد من العمال، كما يتضح من تصريحات فنانو كوستا، عامل النظافة الحضري في لشبونة، الذي يرى أن “حقوق العمال تتعرض للهجوم مرة أخرى بطريقة عدوانية”.
موقف الحكومة: حوار مع الحزم
في المقابل، تتبنى الحكومة موقفًا حازمًا، مؤكدة أنها “غير مستعدة لسحب الاقتراح بأكمله” وأنها مصممة على الحفاظ على “ركائزه الرئيسية”. وزيرة العمل، روزاريو بالما رامالهو، أعلنت عن انفتاح الحكومة على الحوار، لكنها حذرت في الوقت نفسه من أنها “لن تطيل” أمد المفاوضات، وأن التغييرات المقترحة ستخضع للتصويت في البرلمان بغض النظر عن التوصل إلى اتفاق مع النقابات. هذا الموقف يعكس تصميم الحكومة على المضي قدمًا في خططها للإصلاح العمالي، حتى لو كان ذلك يعني مواجهة مقاومة شديدة من النقابات.
تأثير الإضراب على الحياة اليومية
من المتوقع أن يكون تأثير الإضراب العام ملحوظًا على مختلف جوانب الحياة اليومية في البرتغال. ستقتصر خدمات النقل العام على الحد الأدنى الضروري، مع تعليق كامل لخدمة المترو في لشبونة. في قطاع الصحة، سيتم ضمان الخدمات الطارئة والعلاجات الحيوية، لكن الخدمات غير العاجلة قد تتأثر بشكل كبير. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يشمل الإضراب قطاعات التعليم والنظافة العامة، مما قد يؤدي إلى إغلاق المدارس وتعطيل جمع النفايات.
تصعيد الموقف: إضرابات إضافية قيد الإعلان
التوتر لا يتوقف عند هذا الحد، حيث أعلنت بعض النقابات عن إضرابات إضافية في قطاعات محددة. اتحاد الممرضين (Sindepor) أعلن عن إضراب لمدة 16 ساعة يوم الجمعة، بينما دعت نقابة موظفي الإدارة العامة (SITOPAS) إلى إضراب في نفس اليوم، مما يهدد بتعطيل شبه كامل للخدمات البلدية والضرائب والضمان الاجتماعي. وقد بدأت العديد من المدارس بالفعل في تحذير الأهالي من احتمال إغلاق أبوابها يومي الخميس والجمعة. هذا التصعيد يشير إلى أن النقابات مستعدة لرفع سقف مطالبها، وأنها لن تتراجع بسهولة عن موقفها الرافض للإصلاحات العمالية.
مستقبل الإصلاحات العمالية والوضع الاجتماعي في البرتغال
هذا الإضراب العام يمثل اختبارًا حقيقيًا للحكومة البرتغالية وقدرتها على التعامل مع الضغوط الاجتماعية والاقتصادية. النجاح في التوصل إلى حل يرضي جميع الأطراف يتطلب حوارًا بناءً وتنازلات من كلا الجانبين. فشل هذا الحوار قد يؤدي إلى مزيد من التصعيد والاضطرابات الاجتماعية، مما قد يؤثر سلبًا على الاقتصاد والاستقرار السياسي في البلاد. بالإضافة إلى ذلك، فإن هذه الأحداث تلقي الضوء على التحديات التي تواجه سوق العمل في البرتغال، والحاجة إلى إيجاد توازن بين مرونة العمل وحماية حقوق العمال. التشريعات العمالية في البرتغال، ومستقبلها، هي محور هذا الصراع، وستحدد إلى حد كبير مسار التنمية الاجتماعية والاقتصادية في السنوات القادمة. من الضروري متابعة تطورات هذا الوضع عن كثب، وتحليل تأثيره على مختلف القطاعات والمجموعات الاجتماعية في البرتغال.















