منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، يشهد هذا البلد الأفريقي أزمة متفاقمة تهدد استقرابه وسلامة شعبه. آخر التطورات تشير إلى رفض حاسم من قبل رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، لمقترح وقف إطلاق النار الذي قدمته آلية الرباعية الدولية، مما يعكس تعقيد المشهد السياسي والعسكري في السودان. هذا الرفض يثير تساؤلات حول مستقبل المفاوضات وجهود إنهاء الحرب في السودان.

انتقادات البرهان لمقترح الرباعية

أعرب الفريق أول عبد الفتاح البرهان عن استيائه الشديد من الاقتراح المقدم من آلية الرباعية، واصفاً إياه بأنه “أسوأ وثيقة قُدّمت على الإطلاق”. ووفقاً لتصريحاته، فإن الوثيقة المقدمة من مستشار الرئيس الأمريكي للشؤون العربية والإفريقية، مسعد بولس، تتضمن بنوداً تعتبرها الحكومة السودانية غير مقبولة، مثل إلغاء دور القوات المسلحة وحل أجهزة الأمن، مع الاحتفاظ بقوات الدعم السريع في مناطق نفوذها.

رؤية الخرطوم وخريطة الطريق

شدد البرهان على أن هذه المقترحات تتعارض بشكل مباشر مع رؤية الحكومة السودانية، داعياً إلى اعتماد “خريطة الطريق” التي أعلنتها الخرطوم في فبراير الماضي كأساس لأي عملية سياسية مستقبلية. هذه الخريطة، كما يرى البرهان، تمثل الإطار الأمثل لضمان استقرار السودان وتحقيق السلام الدائم.

اتهامات بعدم الحياد وتدخلات خارجية

لم يكتفِ البرهان بانتقاد محتوى المقترح، بل وجه اتهامات مباشرة لآلية الرباعية بعدم الحياد، مشيراً بشكل خاص إلى دور الإمارات العربية المتحدة. وأكد أن “كل العالم شهد بأن دولة الإمارات تدعم المتمردين ضد الدولة السودانية”، وهو ما يثير الشكوك حول نزاهة الوساطة الدولية.

تصريحات حول دور المبعوث الأمريكي

كما انتقد البرهان دور مسعد بولس، متهماً إياه بمحاولة فرض “وصاية معينة” على السودان، ومحملاً إياه مسؤولية إطلاق “التهديدات” والادعاءات حول استخدام الجيش السوداني لأسلحة كيميائية. هذه التصريحات تعكس حالة من التوتر الشديد بين الخرطوم وبعض الأطراف الدولية المشاركة في جهود الوساطة.

نفي ادعاءات نفوذ الإخوان

في سياق متصل، نفى البرهان بشدة الادعاءات الأمريكية حول وجود نفوذ لجماعة الإخوان المسلمين داخل الجيش السوداني، واصفاً هذه الرواية بأنها “تكتيك تخويفي” يهدف إلى التأثير على الرأي العام في كل من الولايات المتحدة والسعودية ومصر. وأكد أن المؤسسة العسكرية قادرة على إصلاح نفسها وإعادة هيكلتها دون الحاجة إلى تدخل خارجي.

تصاعد المعارك وتدهور الأوضاع الإنسانية

في الوقت الذي تتصاعد فيه حدة الخلاف السياسي، تتواصل المعارك العسكرية بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع على جبهات متعددة، خاصة في ولايتي شمال وغرب كردفان. وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن نزوح عشرات الآلاف من المدنيين، مما فاقم الأزمة الإنسانية المتفاقمة.

النزوح وتأثيره على المدنيين

تشير التقارير إلى أن ولاية النيل الأبيض استقبلت مؤخراً أكثر من 16,000 نازح جديد، ليرتفع إجمالي عدد النازحين في الولاية إلى أكثر من مليوني شخص. كما أكدت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف) أن القدرات المتاحة لا تكفي لتلبية احتياجات النازحين الفارين من الفاشر، عاصمة شمال دارفور، التي سيطرت عليها قوات الدعم السريع الشهر الماضي.

أزمة إنسانية عالمية

منذ اندلاع الصراع في السودان في أبريل 2023، فشلت جميع جهود الوساطة الإقليمية والدولية في وقف القتال، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف وتشريد نحو 12 مليون شخص. وقد وصفت الأمم المتحدة هذه الأزمة بأنها “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”، مما يستدعي تحركاً عاجلاً من المجتمع الدولي لتقديم المساعدة الإنسانية اللازمة وحماية المدنيين. إن مستقبل الأزمة السودانية يظل مجهولاً، ويتطلب جهوداً دبلوماسية مكثفة لإيجاد حل سياسي يضمن استقرار السودان وسلامة شعبه.

مستقبل المفاوضات والحلول المحتملة

الوضع الحالي يشير إلى أن المفاوضات قد تواجه صعوبات كبيرة في ظل رفض البرهان لمقترح الرباعية واتهاماته بعدم الحياد. ومع ذلك، لا يزال هناك أمل في إيجاد حلول دبلوماسية من خلال إعادة النظر في المقترحات المقدمة وتعديلها بما يراعي مصالح جميع الأطراف. من الضروري أيضاً تعزيز الجهود الإنسانية لتقديم المساعدة العاجلة للمتضررين من الحرب الأهلية في السودان وتخفيف معاناتهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب على المجتمع الدولي ممارسة ضغوط على جميع الأطراف المتنازعة للعودة إلى طاولة المفاوضات والالتزام بوقف إطلاق النار.

شاركها.
اترك تعليقاً