في ظل تصاعد الجهود الدبلوماسية الرامية إلى إنهاء الصراع في أوكرانيا، أكدت نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، نزهات شميم خان، على استمرار تحقيقات المحكمة في جرائم الحرب المرتكبة في أوكرانيا، حتى في حال التوصل إلى اتفاق سلام. وشددت على أهمية المساءلة لضمان سلام دائم ومستدام، مع إمكانية تجميد التحقيقات بناءً على طلب من مجلس الأمن الدولي. هذا الموضوع، الذي يتعلق بـ المحكمة الجنائية الدولية وأوكرانيا، يثير تساؤلات مهمة حول العدالة والانتقال في مناطق النزاع.

استمرار التحقيقات في جرائم أوكرانيا: موقف المحكمة الجنائية الدولية

أعلنت نائبة المدعي العام، نزهات شميم خان، يوم الجمعة، أن التحقيق المستمر في غزو أوكرانيا لن يتوقف بسبب مفاوضات السلام الجارية، بل سيستمر بالاعتماد على الإطار التنظيمي الخاص بالمحكمة. وبينما ترحب المحكمة بجهود السلام، تؤكد على أن تحقيق العدالة يجب أن يسير جنبًا إلى جنب مع هذه الجهود. هذا يضمن عدم إفلات مرتكبي الجرائم من العقاب، حتى في حال تحقيق تسوية سياسية للصراع.

المساءلة كعنصر أساسي للسلام الدائم

ترى شميم خان أن المساءلة ضرورية لتحقيق سلام دائم ومستدام في أوكرانيا. فالعدالة، في هذا السياق، ليست مجرد مسألة عقاب، بل هي أيضًا عنصر أساسي لإعادة بناء الثقة بين المجتمعات المتضررة وتعزيز سيادة القانون. إن إظهار أن هناك عواقب لأفعال الحرب يمكن أن يردع عن تكرارها في المستقبل.

دور مجلس الأمن الدولي وإمكانية التجميد المؤقت

على الرغم من إصرار المحكمة على استمرار التحقيقات، أشارت نائبة المدعي العام إلى أن مجلس الأمن الدولي يملك السلطة لطلب تجميد هذه التحقيقات مؤقتًا. وقالت إن هذا التجميد سيكون “توقفًا مؤقتًا” فقط، ويهدف إلى إتاحة الفرصة لعملية السلام. هذا يعني أن المحكمة ستكون مستعدة لاستئناف التحقيقات فورًا إذا فشلت مفاوضات السلام أو إذا تدهور الوضع الأمني. هذا الإجراء يعكس رغبة المحكمة في التوازن بين السعي لتحقيق العدالة والمساهمة في جهود السلام.

مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة: ردود الفعل

أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وخمسة مسؤولين روسيين آخرين، بتهمة التورط في جرائم حرب في أوكرانيا، بما في ذلك جريمة نقل أطفال بالقوة من الأراضي الأوكرانية إلى روسيا. وقد أثارت هذه المذكرات ردود فعل قوية من كل من روسيا وأوكرانيا. الكرملين، كما هو متوقع، رفض الاعتراف بسلطة المحكمة، واعتبر مذكرة الاعتقال “لاغية وباطلة”. بينما رحبت أوكرانيا بقرار المحكمة، واعتبرته خطوة مهمة نحو تحقيق العدالة لضحايا الحرب. هذه الخطوة الجريئة من قبل المحكمة الجنائية الدولية تعكس تصاعد الضغوط الدولية على روسيا للمساءلة عن أفعالها في أوكرانيا.

التحديات الداخلية التي تواجه المحكمة الجنائية الدولية

الاجتماع السنوي للمحكمة، الذي اختتم مؤخرًا في لاهاي، سلط الضوء على التحديات غير المسبوقة التي تواجهها المؤسسة. فهي لا تتعامل فقط مع قضايا معقدة وحساسة مثل الوضع في أوكرانيا، بل تواجه أيضًا ضغوطًا سياسية واقتصادية كبيرة. العقوبات الأمريكية المفروضة على عدد من موظفي المحكمة، بمن فيهم القضاة والمدعي العام، قد أثرت سلبًا على عملها في العديد من التحقيقات. بالإضافة إلى ذلك، تعاني المحكمة من نقص في الموارد المالية، مما يعيق قدرتها على أداء مهامها بفعالية. هذه التحديات الداخلية، بالإضافة إلى التشكيك السياسي في العدالة الجنائية الدولية، تهدد بتقويض دور المحكمة في عالم يشهد تصاعدًا في الصراعات والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.

دعم الدول الأعضاء وتوجهات مستقبلية

على الرغم من هذه الصعوبات، أعربت نائبة المدعي العام عن تفاؤلها بشأن الدعم الكبير الذي تلقته المحكمة من الدول الأعضاء الـ125 خلال الاجتماع السنوي. ومع ذلك، اعترفت بحساسية الظرف الذي تمر به المحكمة، وأكدت على أهمية التمسك بالمبادئ الأساسية للعدالة والمساءلة. مع استمرار الحرب في أوكرانيا، ستظل التحقيقات في جرائم الحرب محط اهتمام دولي كبير، وستكون المحكمة الجنائية الدولية في قلب هذه الجهود. من الضروري أن تتعامل المحكمة مع هذه التحديات بصلابة وحكمة، من أجل الحفاظ على مصداقيتها وفعاليتها في تعزيز سيادة القانون والعدالة الجنائية الدولية.

في الختام، يبقى موقف المحكمة الجنائية الدولية ثابتًا: السعي لتحقيق العدالة في أوكرانيا لا يتوقف ببدء مفاوضات السلام، بل هو عنصر أساسي لضمان سلام دائم. تحديات المحكمة الداخلية والخارجية كبيرة، لكن الدعم الدولي المستمر يمنحها فرصة لمواصلة عملها الحيوي. نحث القراء على متابعة تطورات هذا الملف المهم، والمشاركة في الحوار حول مستقبل العدالة الجنائية الدولية.

شاركها.
اترك تعليقاً