في خطوة تاريخية تعزز العلاقات الثنائية بين الرياض وموسكو، وقعت المملكة العربية السعودية وروسيا اتفاقية إعفاء التأشيرة لمواطني البلدين. هذه الاتفاقية، التي تمثل نقلة نوعية في التعاون بين البلدين، تفتح آفاقًا جديدة للسياحة والاستثمار والتواصل الثقافي، وتؤكد على التطور المستمر في الشراكة الاستراتيجية بينهما.
اتفاقية إعفاء التأشيرة: بداية عهد جديد للعلاقات السعودية الروسية
تم التوقيع على الاتفاقية الهامة على هامش منتدى الاستثمار والأعمال السعودي-الروسي المنعقد في الرياض، بحضور كبار المسؤولين من كلا البلدين، بمن فيهم الأمير عبدالعزيز بن سلمان بن عبدالعزيز، وزير الطاقة، ونائب رئيس مجلس الوزراء الروسي ألكسندر نوفاك. وقد وقع الاتفاقية من الجانب السعودي وزير الخارجية الأمير فيصل بن فرحان بن عبدالله، ومن الجانب الروسي نوفاك، مما يعكس الأهمية القصوى التي يوليها الطرفان لهذه الخطوة. تعد هذه الاتفاقية الأولى من نوعها للمملكة، حيث أن روسيا هي أول دولة تحصل على هذا الإعفاء الشامل الذي يشمل حاملي جميع أنواع الجوازات.
تفاصيل الاتفاقية وشروط الإعفاء
تشمل إعفاء التأشيرة جميع أنواع الجوازات، الدبلوماسية والخاصة والعادية، مما يتيح لمواطني كلا البلدين الدخول دون الحاجة إلى تأشيرة مسبقة لأغراض الزيارة المختلفة، بما في ذلك السياحة، والأعمال، وزيارة الأقارب والأصدقاء. يسمح للزائرين بالبقاء في الدولة المضيفة لمدة تصل إلى 90 يومًا متصلة أو منفصلة خلال السنة الميلادية الواحدة.
ومع ذلك، هناك بعض الاستثناءات. لا يشمل هذا الإعفاء المواطنين الراغبين في الدخول لأغراض العمل، أو الدراسة، أو الإقامة الطويلة، أو أداء مناسك الحج والعمرة، والذين سيحتاجون إلى الحصول على التأشيرات المناسبة لهذه الأغراض.
نمو ملحوظ في التبادل التجاري والاستثماري
لا يقتصر التعاون بين السعودية وروسيا على العلاقات الدبلوماسية وتسهيل السفر، بل يشمل أيضًا نموًا ملحوظًا في التبادل التجاري والاستثماري. فقد تضاعف حجم التبادل التجاري الثنائي بين البلدين خلال السنوات الخمس الماضية، واستمر في مساره التصاعدي هذا العام، مسجلاً نموًا بنسبة 85%.
أرقام وإحصائيات حول التعاون الاقتصادي
في عام 2024، ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين بأكثر من 60% ليصل إلى أكثر من 3.8 مليار دولار أمريكي. وتسارعت وتيرة النمو بشكل أكبر في الربع الأول من عام 2025، حيث سجلت زيادة في حجم التبادل التجاري بمقدار أربعة أضعاف مقارنة بالفترة نفسها من عام 2024. كما شهدت الاستثمارات الروسية المتراكمة في المملكة زيادة كبيرة، حيث قفز حجمها ستة أضعاف خلال العام الماضي، بينما ارتفعت الاستثمارات السعودية المتراكمة في روسيا بنسبة 11%. وقد تم تنفيذ أكثر من 40 مشروعًا مشتركًا في إطار التعاون بين الصندوق الروسي للاستثمارات المباشرة والصندوق السعودي للاستثمار.
توسيع آفاق التعاون إلى قطاعات جديدة
بالإضافة إلى قطاع الطاقة، الذي لطالما كان محورًا رئيسيًا للتعاون بين البلدين، هناك توجه متزايد نحو توسيع آفاق التعاون إلى قطاعات جديدة ومتنوعة. يشمل ذلك مجالات الطاقة الذرية السلمية، والصناعة، والصحة، والنقل، وتقنية المعلومات والاتصالات، والعلوم والتعليم، والسياحة، والثقافة، والرياضة.
التعاون في قطاع الطاقة وتطوير التقنيات
يستمر التنسيق الوثيق بين البلدين في إطار اتفاقية “أوبك+”، بينما يجري حاليًا بحث فرص توسيع التعاون في توريد معدات الطاقة، وتوطين التقنيات المتقدمة في مجمعات الوقود والطاقة السعودية. كما تدرس مشاركة شركات روسية كشركاء في مجال الهندسة ضمن مشاريع الطاقة في المملكة. وقد ناقش وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان ونائب رئيس الوزراء الروسي نوفاك سبل تعزيز التعاون عبر مشروعات مشتركة في مجالات الغاز الطبيعي المسال، والطاقة الكهرومائية، والطاقة النووية.
مستقبل واعد للعلاقات السعودية الروسية
تُظهر اتفاقية إعفاء التأشيرة والتطورات الاقتصادية الأخيرة خلال المنتدى اتساع نطاق التعاون الثنائي، الذي يشهد تحولاً من التركيز التقليدي على قطاع الطاقة نحو إقامة شراكات في مجالات متنوعة تشمل التكنولوجيا والاستثمار المشترك والتبادل السياحي والثقافي. هذا التطور يعكس الرغبة المشتركة في بناء علاقات طويلة الأمد ومستدامة، وتعزيز التعاون في مختلف المجالات لتحقيق المصالح المشتركة. من المتوقع أن تساهم هذه الخطوات في تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين، وزيادة التبادل التجاري والاستثماري، وتحقيق المزيد من النمو والازدهار لكلا الشعبين. إن هذه الاتفاقية ليست مجرد تسهيل للسفر، بل هي رمز لتفاؤل بمستقبل مشرق للعلاقات السعودية الروسية.















