بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

تزايدت في الأشهر الأخيرة التقارير عن طائرات مسيّرة تحلّق فوق منشآت حيوية في دول أوروبية عدة، من بلجيكا وبولندا إلى رومانيا والدنمارك وألمانيا. المشهد لم يعد مجرد حوادث متفرقة، بل بات يثير قلقًا واسعًا من احتمال وجود حملة منسقة تستهدف الأمن الأوروبي.

وفي هذا الإطار، تناول تقرير موسّع نشره موقع “بوليتيكو أوروبا” (وهو النسخة الأوروبية من الصحيفة الأميركية بوليتيكو) تنامي هذه الظاهرة، محذرًا من أن تكرار الحوادث يشير إلى نمط مقلق من التهديدات المتزايدة التي باتت تواجهها القارة. وأوضح التقرير أن البرلمان الأوروبي يستعد لإصدار قرار يحذر من “عناصر روسية” يُشتبه في استخدامها الطائرات المسيّرة لتعطيل حركة الطيران داخل الاتحاد الأوروبي.

أما رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين، فقد كانت من أوائل المسؤولين الذين حذروا من خطورة الظاهرة، إذ وصفت في كلمة ألقتها أمام البرلمان الأوروبي الأربعاء 8 أكتوبر ما يجري بأنه شكل من أشكال “الحرب الهجينة”.

وقالت: “شيء جديد وخطير يحدث في أجوائنا. ففي الأسبوعين الماضيين فقط، انتهكت مقاتلات “ميغ” الأجواء الإستونية، كما حلّقت طائرات مسيّرة فوق مواقع حساسة في بلجيكا وبولندا ورومانيا والدنمارك وألمانيا. وقد أُوقفت رحلات، وأُقلعت طائرات مقاتلة، ونُفذت إجراءات مضادة لضمان سلامة مواطنينا. لا شك في أن هذا جزء من نمط مقلق من التهديدات المتزايدة”.

ويشير تقرير بوليتيكو إلى أن بعض هذه الوقائع، مثل تحليق مسيّرات روسية فوق بولندا ورومانيا، تحمل بوضوح بصمات الكرملين، فيما تبقى حوادث أخرى أكثر غموضًا. كما ينقل عن مسؤولين وخبراء أوروبيين تحذيرهم من أن نشاط الطائرات المسيّرة في أجواء أوروبا يتخذ منحًى أكثر تعقيدًا وخطورة.

ظاهرة قديمة بثوب جديد

رغم القلق الراهن، يشير تقرير بوليتيكو أوروبا إلى أن الطائرات المسيّرة ليست ظاهرة جديدة في المجال الجوي الأوروبي.

يقول ساندر ستارفيلد، مدير شركة SIG Aviation للاستشارات الجوية، إن المواجهات مع الطائرات المسيّرة بدأت قبل أكثر من عقد، وازدادت وتيرتها مع انتشار الطائرات الصغيرة المخصصة للمستهلكين منذ عام 2010 تقريبًا.

وبحسب بيانات وكالة سلامة الطيران الأوروبية (EASA)، ارتفع عدد الحوادث التي تشمل طائرات مسيّرة من نحو 500 سنويًا في عام 2015 إلى ما يقارب 2000 في عام 2019، بينما لم تُصدر الوكالة أرقامًا أحدث.

ويشرح فريديريك ديلو، نائب رئيس اتحاد مراقبي الحركة الجوية الدولي في أوروبا، أن أنظمة المراقبة الجوية التقليدية “غير قادرة عمومًا على رصد الطائرات المسيّرة الصغيرة لأن الرادارات مصممة للطائرات الكبيرة ذات الأسطح المعدنية العاكسة”.

ويضيف أن بعض المطارات لجأت إلى تقنيات متخصصة تشمل الرادارات الصغيرة، وأجهزة المسح الترددي، والكاميرات البصرية، والمجسات الصوتية، لكنها ما زالت تواجه صعوبة في تحقيق تغطية كاملة.

من الهواة إلى الجناة المجهولين

في الماضي، كانت حوادث الطائرات المسيّرة تُعزى في الغالب إلى مستخدمين هواة لا يعرفون القوانين الجوية.

يقول ستارفيلد: “حتى وقت قريب، كانت المشكلة الأساسية أن المستخدم العادي لم يكن يعرف أين يُسمح له بالطيران وأين يُمنع. يشتري الجهاز ثم يبدأ بالتحليق، وغالبًا ما يؤدي الفضول أو الإهمال إلى التسبب بإرباك في أجواء المطارات”.

لكن التقرير يشير إلى أن الوضع تغيّر اليوم. فبعد حملات التوعية والقيود البرمجية التي فرضتها الشركات المصنعة لمنع التحليق قرب المدارج، يُفترض أن تكون هذه الحوادث قد تراجعت، لكن ما يحدث هو العكس.

ويضيف ستارفيلد: “ما نراه الآن مختلف تمامًا. يبدو أن الطائرات تُستخدم عمدًا لتعطيل حركة الطيران، وهذا ما يجعلها تهديدًا ذا طابع إجرامي واضح”.

خطر حقيقي على سلامة الطيران

يشير التقرير إلى أن الطائرات المسيّرة تمثل خطرًا فعليًا على سلامة الطيران المدني.

فبحسب شركة JACDEC المتخصصة بتحليل سلامة الطيران، سُجّلت 25 حالة تصادم بين طائرات ومسيّرات حول العالم خلال العقد الأخير، من دون تسجيل ضحايا، لكنها حوادث تؤكد حجم الخطر.

ويقول يان أرفيد ريختر، الرئيس التنفيذي للشركة: “نشاط الطائرات المسيّرة في المجال الجوي المدني خطر، سواء كان مقصودًا أم لا. فالطائرات التجارية مصممة لتحمّل اصطدامات بطيور أو قطع برد، لكنها ليست مجهّزة لتحمّل اصطدام بجسم معدني ثقيل يحتوي بطاريات ومحركات”.

ويضيف أن الاصطدام الواحد قد يؤدي إلى تعطّل محرك أو إحداث ثقب في جناح طائرة، نتيجة السرعة الهائلة عند الارتطام.

اضطرابات في المطارات وخسائر بملايين اليوروهات

وجود طائرة مسيّرة قرب مطار يكفي لشلّ الحركة الجوية مؤقتًا.

تقول أورانيا جورغوتساكو، المديرة العامة لاتحاد الخطوط الجوية لأوروبا (Airlines for Europe)، إن “كل حادث مرتبط بطائرة مسيّرة، مهما كان بسيطًا، يسبّب اضطرابًا في الجداول وتأخيرات مكلفة لشركات الطيران”.

ويشير تقرير بوليتيكو إلى أن بعض الحوادث يصعب التحقق منها، مثل ما حدث في مطار لندن غاتويك في كانون الأول/ديسمبر 2018، حين توقفت الرحلات لأكثر من 33 ساعة بعد بلاغات عن طائرات مسيّرة لم تُثبت بالصور.

وفي بلجيكا، رصدت شركة SkeyDrone بين تموز/يوليو وأيلول/سبتمبر 2024 نحو 180 طائرة مسيّرة غير مرخصة قرب المدارج و84 أخرى في «المنطقة الحمراء» الحساسة، من دون أن تتسبب بأي توقف للرحلات.

أما مطار ميونيخ فاضطر إلى الإغلاق ليلة الثاني من تشرين الأول/أكتوبر بعد رصد عدة مسيّرات، ما أدى إلى إلغاء 17 رحلة وتحويل 15 أخرى. وذكرت شركة إدارة الملاحة الجوية الألمانية (DFS) أن المطار شهد ثماني حوادث مماثلة منذ بداية عام 2025.

من جهته، أكد يان كريستوف أوتجن، النائب في البرلمان الأوروبي عن كتلة “تجديد أوروبا” أن “ليس كل ظهور لطائرة مسيّرة يشكّل خطرًا أمنيًا كبيرًا، لكن لا شك أن التوترات الجيوسياسية جعلت هذا الموضوع في صدارة الاهتمام الأوروبي”.

شاركها.
اترك تعليقاً