بقلم: يورونيوز
نشرت في
في ظل الضغوط المتزايدة التي تواجه إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كشفت تسريبات حصلت عليها وكالة رويترز عن أزمة داخلية غير معلنة تعصف بوحدة الدفاع القانوني الرئيسية في وزارة العدل، وهي “فرع البرامج الاتحادية” (Federal Programs Branch)، المسؤول عن الدفاع عن السياسات التنفيذية للإدارة أمام المحاكم الفيدرالية.
وقد فقد هذا الفرع، الذي يُعد من الأعمدة الأساسية في البنية القانونية للحكومة، ما يقارب ثلثي موظفيه منذ تولي ترامب السلطة.
وتشير القائمة التي جمعها محامون سابقون داخل الوزارة وراجعت رويترز أغلب بنودها عبر سجلات قضائية ومواقع احترافية مثل “لينكد إن”، إلى أن 69 من أصل نحو 110 محامٍ قد غادروا الوحدة طواعية، أو أعلنوا نيتهم المغادرة، وهو رقم لم يتم الإفصاح عنه من قبل، ويُعد أعلى بكثير مما شهده الفرع خلال إدارات سابقة، سواء في فترة ولاية ترامب الأولى أو حتى في عهد الرئيس جو بايدن.
وتتضمن قائمة المستقيلين قسمًا كبيرًا من الكوادر القيادية، حيث غادر عشرة من أصل ثلاثة وعشرين مشرفًا رئيسيًا، معظمهم من المحامين ذوي الخبرة الطويلة الذين عملوا تحت إدارات رئاسية مختلفة، واعتبروا أنفسهم جزءًا من مؤسسة مستقلة تخدم الدولة وليس حزبًا سياسيًا محددًا.
وبحسب تصريحات أدلى بها عدد من المحامين السابقين، فإن السبب الرئيسي لهذه الاستقالات الجماعية يعود إلى الشعور بالإحباط الناتج عن الحاجة المستمرة للدفاع عن سياسات يرون أنها لا تملك أساسًا قانونيًا واضحًا، فضلًا عن الضغوط المهنية الشديدة الناتجة عن تزايد عدد الدعاوى القضائية المرفوعة ضد الإدارة.
وقد أعرب أحد المحامين الذين غادروا الفرع في فترة ولاية ترامب الثانية عن مشاعر عميقة لدى زملائه السابقين، حين قال إن كثيرًا منهم انضموا إلى الفرع بهدف حماية جوانب من النظام الدستوري الأمريكي، وليس للمشاركة في مشروع يهدف إلى هدم بعض تلك المبادئ.
كما أوضح البعض أنهم كانوا يشعرون بالقلق المتزايد من احتمال إجبارهم على تقديم حجج قانونية مضللة أو تحريف الحقائق أمام المحاكم، وهو أمر يتعارض مع قواعد الأخلاقيات المهنية للمحامين، ويحمل آثارًا تأديبية خطيرة عليهم شخصيًا.
على الجانب الآخر، دافعت إدارة ترامب عن إجراءاتها باعتبارها ضمن حدود الصلاحيات الرئاسية القانونية، وأشار المتحدث باسم البيت الأبيض إلى أن هذه الاستقالات ليست سوى تعبير عن موقف سياسي من بعض الموظفين، وليس له علاقة بأداء الإدارة أو مشروعية سياساتها.
وفي الوقت نفسه، أكد المتحدث باسم وزارة العدل أن الفرع يتعامل مع عدد غير مسبوق من الدعاوى القضائية، وأنه نجح في إسقاط العديد منها، حتى أمام المحكمة العليا، لكنه تجاهل التعليق على حالة الروح المعنوية داخل الفرع أو تداعيات الاستقالات على العمل المؤسسي.
ولمواجهة الفراغ البشري الكبير، قامت القيادة العليا في وزارة العدل بإعادة توزيع أكثر من عشرة محامين مؤقتًا من أقسام أخرى داخل الوزارة، كما تم إعفاء الفرع من تجميد التوظيف الحكومي الذي يطبق على باقي الجهات الاتحادية. بالإضافة إلى ذلك، تم تعيين حوالي خمسة عشر محامٍ جديد من المعينين السياسيين، معظمهم من المحامين المعروفين بدفاعهم عن القضايا المحافظة، والمستعدين لدفع الحدود القانونية إلى أقصى حد ممكن، وفقًا لتصريحات من داخل المؤسسة.
ورأى بيتر كيسلر، الذي ترأس قسم الشؤون المدنية في وزارة العدل خلال إدارة بوش الابن، أن هذه الإدارة هي الأكثر جرأة من حيث سرعة توسعها في اختبار الحدود القانونية، مضيفًا أن الضغوط تتضاعف في وقت تتقلص فيه أعداد المحامين المسؤولين عن الدفاع عن هذه القضايا بشكل ملحوظ. ويشير هذا الواقع إلى توتر عميق بين الحاجة إلى الدفاع القانوني القوي، وبين الإمكانيات البشرية المتاحة لتحقيق ذلك.
إلى جانب ذلك، أظهرت بعض الحالات تدخلًا مباشرًا من قيادة الوزارة في العمل المهني، كما حصل عندما تم إقالة مشرف سابق في وحدة الهجرة بعد أن قدم شكوى كـ”مسرب معلومات”، اتهم فيها مسؤولي الإدارة بمحاولة إرغامه على تقديم حجج قانونية غير مدعومة وتبنّي تفسيرات ضيقة لأحكام قضائية.
وقد رد مسؤول كبير في الوزارة على هذه الادعاءات بأنها مجرد شكاوى من شخص غير راضٍ، ورفض أي ادعاء بوجود تعليمات لتحدي الأوامر القضائية.
وفي سياق متصل، أعرب محامون مهنيون عن عدم ارتياحهم أيضًا للدفاع عن بعض الأوامر التنفيذية لترامب التي تستهدف شركات محاماة خاصة، مشيرين إلى أن هذه القرارات تتجاوز في رأيهم حدود السلطة الرئاسية، وهو ما تجلى في إلغاء القضاة لأربع من هذه الأوامر باعتبارها مخالفة للدستور، بينما أبدت الإدارة نيتها الطعن في واحدة منها على الأقل.