أظهرت قمة عقدت في لندن، جمعت بين قادة أوروبيين رئيسيين، اختلافات في الرؤى حول كيفية التعامل مع المقترحات الأمريكية لإنهاء الحرب في أوكرانيا، مع إصرار الجميع على ضرورة دعم كييف. انعقد الاجتماع في ظل فشل المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، وكذلك بين واشنطن وكييف في تحقيق أي تقدم ملموس. يركز هذا المقال على الدعم الأوروبي لأوكرانيا والتحديات التي تواجه التوصل إلى اتفاق سلام شامل.
تباين المواقف الأوروبية حول مقترحات السلام الأمريكية
كشفت القمة عن وجود تباين في وجهات النظر بين القادة الأوروبيين حول كيفية الاستجابة للمقترحات الأمريكية، التي تهدف إلى إيجاد حل للصراع الدائر في أوكرانيا. بينما أيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الجهود الأمريكية، أبدى المستشار الألماني فريدريش ميرتس تحفظات كبيرة، وحاول رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر الموازنة بين الترحيب بالمبادرة والتأكيد على الحاجة إلى ضمانات أقوى لأوكرانيا.
فرنسا: أوراق ضغط متعددة على موسكو
أكد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أن الدول الأوروبية تمتلك “الكثير من الأوراق” التي يمكن استخدامها للضغط على روسيا، بدءًا من صمود أوكرانيا في وجه الحرب، وصولًا إلى تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية. وشدد ماكرون على أن نجاح أي اتفاق سلام يعتمد على وجود توافق في المواقف بين أوروبا والولايات المتحدة وأوكرانيا، بهدف تحقيق “الأمن الجماعي” للجميع.
بعد الاجتماع، صرح متحدث باسم الإليزيه بأن المباحثات المقبلة بين العواصم المعنية قد تؤدي إلى “تقارب إضافي” في الأيام القادمة. وأضاف المتحدث أن العمل مستمر على توفير ضمانات أمنية قوية لأوكرانيا بالتوازي مع وضع خطط لإعادة إعمارها.
تحفظات ألمانيا حول التنازل عن الأراضي
في المقابل، عبر المستشار الألماني فريدريش ميرتس عن شكوكه حيال بعض البنود الواردة في المقترحات الأمريكية. وأشار بشكل خاص إلى أن التنازل عن 15% من أراضي دونباس يمثل “نقطة إشكالية” لا يمكن تجاهلها. وأكد ميرتس أن مصير أوكرانيا “جزء لا يتجزأ من مصير أوروبا”، وأن أي حل سياسي يجب أن يضمن عدم تمكين روسيا من استئناف الحرب في المستقبل.
خلال النقاشات المغلقة، كرر ميرتس مخاوفه بشأن بعض جوانب المقترح، لكنه أكد في الوقت نفسه على استمرار الدعم الأوروبي لكييف. هذا الموقف يعكس قلق برلين من أن أي تنازل عن الأراضي قد يشجع روسيا على المزيد من العدوان.
لندن تبحث عن ضمانات أقوى
حاول رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر إيجاد توازن بين دعم جهود واشنطن والتأكيد على ضرورة وجود اتفاق يضمن حماية أوكرانيا من أي هجوم جديد. وأوضح ستارمر أن “وقف إطلاق نار عادل ودائم” لا يمكن تحقيقه إلا من خلال ضمانات أمنية “صلبة” تمنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إعادة إشعال الحرب.
بالإضافة إلى ذلك، أجرى ستارمر اتصالات مع حلفاء أوروبيين بحضور الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث توافق الجميع على ضرورة تعزيز الدعم لأوكرانيا وزيادة الضغط الاقتصادي على روسيا. وتدرس لندن حاليًا إمكانية استخدام الأصول الروسية المجمدة على أراضيها لتقديم قروض جديدة لكييف، على الرغم من بعض المخاوف التي أبدتها بلجيكا بشأن احتمال إعادة هذه الأموال إلى موسكو في المستقبل.
جدل حول الضمانات الأمنية ومستقبل أوكرانيا
تعتبر مسألة الضمانات الأمنية نقطة الخلاف الرئيسية بين الأطراف المعنية. من وجهة نظر زيلينسكي، فإن وحدة الأوروبيين والأمريكيين هي شرط أساسي لنجاح أي تسوية. ومع ذلك، أشار في مقابلة مع بلومبرغ إلى أن المقترحات الأمريكية تحتاج إلى مزيد من النقاش حول “قضايا حساسة”، مؤكدًا غياب “رأي موحد” بشأن منطقة دونباس. وتساءل زيلينسكي بشكل مباشر: “إذا بدأت روسيا الحرب من جديد، فماذا سيفعل شركاؤنا؟”.
هذه التساؤلات تأتي في أعقاب تصريحات سابقة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، الذي أعرب عن “إحباطه” من عدم قيام زيلينسكي بمراجعة المقترحات الأمريكية. كما لمح دونالد ترامب الابن إلى احتمال تخلي واشنطن عن أوكرانيا إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق مع موسكو.
فشل المحادثات المباشرة وتصاعد المخاوف
تزامنت قمة لندن مع فشل المحادثات المباشرة بين الولايات المتحدة وروسيا، وعدم إحراز أي تقدم في اجتماعات كييف وواشنطن. ولا تزال الخلافات قائمة حول الضمانات الأمنية المطلوبة، وكيفية حماية أوكرانيا من أي غزو روسي جديد. هناك أيضًا نقاش حول إمكانية نشر قوات أوروبية داخل الأراضي الأوكرانية كعامل ردع، وهو ما ترفضه روسيا بشكل قاطع. هذا الوضع يثير مخاوف جدية بشأن مستقبل الأمن الأوروبي واستقرار المنطقة.
الخلاصة: مستقبل معلق يتطلب وحدة وتنسيق
تُظهر قمة لندن مدى تعقيد الوضع المحيط بالصراع في أوكرانيا، والتحديات التي تواجه الجهود الدولية الرامية إلى إيجاد حل سلمي. على الرغم من الاختلافات في الرؤى بين القادة الأوروبيين، إلا أن هناك إجماعًا على ضرورة مواصلة الدعم لأوكرانيا والضغط على روسيا. إن تحقيق الاستقرار في المنطقة يتطلب وحدة وتنسيقًا حقيقيًا بين أوروبا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى إيجاد ضمانات أمنية قوية وموثوقة تضمن عدم تكرار هذا الصراع في المستقبل. يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن الأطراف المعنية من التغلب على خلافاتها والتوصل إلى اتفاق يرضي جميع الأطراف؟















