بلغاريا تشهد احتجاجات حاشدة تطالب برحيل الحكومة وتكشف عن مخاوف من الفساد والنفوذ السياسي

خرج عشرات الآلاف من المواطنين البلغاريين إلى الشوارع في العاصمة صوفيا ومدن أخرى يوم الأربعاء، معبرين عن غضبهم العارم ومطالبين باستقالة حكومة روزين جيليازكوف الحالية. تأتي هذه الاحتجاجات على خلفية اتهامات بالفساد، ومخاوف متزايدة بشأن نفوذ شخصيات نافذة في البلاد، بالإضافة إلى ردود فعل عنيفة على مقترحات الميزانية الجديدة. وتعتبر هذه المظاهرات تحدياً سياسياً كبيراً للحكومة، خاصةً مع اقتراب البلاد من الانضمام إلى منطقة اليورو.

تصاعد الاحتجاجات ومطالب الشعب البلغاري

شهدت ساحة مركزية في صوفيا، بالقرب من مباني البرلمان والحكومة والرئاسة، تجمعات حاشدة للمحتجين الذين رفعوا شعارات مناهضة للحكومة. واستخدم البعض تقنيات حديثة مثل أشعة الليزر لكتابة رسائل قوية على واجهة البرلمان، مثل “استقالة” و”المافيا إلى الخارج” و”من أجل انتخابات نزيهة”. وتشير التقديرات إلى أن عدد المتظاهرين في صوفيا تجاوز 100 ألف شخص، بينما وصلت التقديرات الأخرى إلى 150 ألفاً.

وانضم إلى المسيرة طلاب من مختلف الجامعات في صوفيا، مما يعكس مدى استياء الشباب من الأوضاع السياسية والاقتصادية. وأكد المنظمون أن حجم الاحتجاج فاق بكثير التجمعات التي شهدتها البلاد في الأسبوع الماضي، والتي ضمت أكثر من 50 ألف شخص.

لم تقتصر الاحتجاجات على العاصمة، بل امتدت إلى أكثر من 25 مدينة رئيسية في جميع أنحاء بلغاريا، بما في ذلك بلوفديف وفارنا وفيليكو تارنوفو ورازغراد. ففي بلوفديف، نزل آلاف الأشخاص إلى ميدان سعيدينيني، حاملين الأعلام البلغارية ولافتات مناهضة للحكومة. وفي بورغاس، تجمع حوالي 10 آلاف شخص أمام مبنى البلدية، وقدموا مطالبهم من خلال رسومات ومقاطع فيديو عرضت على شاشة كبيرة.

تضامن دولي مع الاحتجاجات البلغارية

لم يقتصر الغضب الشعبي على داخل بلغاريا، حيث نظمت الجاليات البلغارية في الخارج مظاهرات تضامنية في مدن مثل بروكسل ولندن وبرلين وفيينا وزيورخ ونيويورك. ورفع المتظاهرون في الخارج نفس المطالب التي يطالب بها المحتجون في الداخل، مؤكدين دعمهم لحركة التغيير في بلغاريا.

أسباب الاحتجاجات: ميزانية 2026 ونفوذ الأولغارشية

تأتي هذه الاحتجاجات ردًا على مقترحات الحكومة لميزانية عام 2026، والتي تضمنت رفعًا للضرائب وزيادة في اشتراكات الضمان الاجتماعي، بالإضافة إلى تعزيز الإنفاق الحكومي. وقد أثارت هذه المقترحات غضبًا واسعًا بين المواطنين، الذين يرونها عبئًا إضافيًا على كاهلهم في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة. اضطرت الحكومة في النهاية إلى سحب خطة الميزانية المثيرة للجدل.

إلا أن الأسباب تتجاوز الميزانية، حيث يركز غضب المتظاهرين بشكل خاص على ديليان بيفسكي، السياسي ورجل الأعمال البلغاري المعروف بنفوذه الواسع. يُتهم بيفسكي بممارسة الفساد والتأثير على سياسات الحكومة لخدمة مصالح النخبة الحاكمة. حزب “الحركة من أجل الحقوق والحريات” (DPS) الذي يدعمه، يلعب دورًا حاسمًا في دعم حكومة الأقلية الائتلافية.

العقوبات الدولية وتأثير بيفسكي

فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على ديليان بيفسكي في يونيو 2021 بموجب قانون ماغنيتسكي العالمي للمساءلة عن حقوق الإنسان، بتهمة الفساد. وذكرت وزارة الخزانة الأمريكية أنه “مارس الفساد بشكل منتظم، مستخدمًا نفوذه ودفع الرشاوى لحماية نفسه من المساءلة العامة والهيمنة على مؤسسات وقطاعات رئيسية في المجتمع البلغاري”. كما فرضت المملكة المتحدة عقوبات مماثلة عليه في فبراير 2023.

قبل فرض العقوبات، كان بيفسكي يمتلك الصحف اليومية الأكثر انتشارًا في بلغاريا، مما منحه سيطرة كبيرة على المشهد الإعلامي. لكنه اضطر إلى التخلي عن أصوله الإعلامية بعد العقوبات الأمريكية. منظمة “مراسلون بلا حدود” وصفت بيفسكي في عام 2018 بأنه يجسد “الفساد والتواطؤ بين وسائل الإعلام والسياسيين والأوليغارشية”.

بوريسوف وبيفسكي: ثنائي السلطة؟

يتهم المعارضون بيفسكي بتوجيه سياسات الحكومة لخدمة مصالح النخبة الحاكمة، ويرون أن النفوذ الفعلي يتقاسمه مع رئيس الوزراء السابق بويكو بوريسوف. بوريسوف، الذي شغل منصب رئيس الوزراء ثلاث مرات منذ عام 2009، قاد حزب “مواطنون من أجل التنمية الأوروبية في بلغاريا” (GERB). وقد استقال في عام 2013 إثر احتجاجات شعبية واسعة، وسقطت حكومته مرة أخرى في 2020-2021 بسبب مظاهرات مناهضة للفساد.

ويرى المحللون أن هذا الوضع يمنح بيفسكي القدرة على التحكم في جميع عمليات صنع القرار الوطني، على الرغم من أن حزب “الحركة من أجل الحقوق والحريات” (DPS) ليس جزءًا رسميًا من الائتلاف الحاكم.

تطورات سياسية: حجب الثقة والانضمام إلى اليورو

على الرغم من الطابع السلمي للاحتجاجات، أفادت “يورونيوز بلغاريا” باعتقال 57 شخصًا في صوفيا، بتهمة التصرف بعدائية أمام مقر حزب “الجبهة الوطنية البلغارية”. من جانبها، دعت كتلة المعارضة البرلمانية “نحن نواصل التغيير – بلغاريا الديمقراطية” إلى طرح اقتراح بحجب الثقة عن الحكومة، ومن المقرر أن يتم التصويت عليه يوم الخميس.

وعلق الرئيس رومين راديف، المنتمي لليسار السياسي، على الاحتجاجات ووصفها بأنها “تصويت شعبي على حجب الثقة عن الحكومة”، وحث النواب على “الاستماع لإرادة الشعب” و”الاختيار بين كرامة التصويت الحر وعار التبعية”.

يأتي هذا في وقت تستعد فيه بلغاريا للانضمام إلى منطقة اليورو اعتبارًا من الأول من يناير المقبل، لتصبح العضو الحادي والعشرين في التكتل. إلا أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن هناك معارضة كبيرة لهذا القرار، حيث يعارض 46.8% من البلغاريين اعتماد اليورو، بينما يؤيده 46.5% فقط. الاحتجاجات الحالية قد تلقي بظلالها على عملية الانضمام إلى منطقة اليورو، وتزيد من الضغوط على الحكومة لاتخاذ خطوات جادة لمكافحة الفساد وتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي.

الكلمات المفتاحية: بلغاريا، احتجاجات، فساد، حكومة جيليازكوف، ديليان بيفسكي، منطقة اليورو.

شاركها.
اترك تعليقاً