أوكرانيا تشهد تصعيدًا خطيرًا في القصف الروسي، بينما تلوح في الأفق مبادرات سلام سرية. ليلة الثلاثاء – الأربعاء شهدت أوكرانيا واحدة من أشرس موجات الهجمات الروسية منذ أشهر، مما أثار مخاوف متزايدة بشأن مستقبل البلاد ويدعو إلى بحث جاد عن حلول دبلوماسية. هذا التصعيد يأتي في وقت تشهد فيه الجبهات الشرقية والجنوبية تراجعًا ميدانيًا أوكرانيًا، ويزيد من الضغط على كييف.
هجوم روسي واسع النطاق يستهدف غرب أوكرانيا
شنت القوات الروسية هجومًا مكثفًا على مناطق غرب أوكرانيا، وهي مناطق كانت تعتبر تقليديًا بعيدة عن خطوط النار المباشرة. أعلن سلاح الجو الأوكراني عن اعتراض 442 مسيّرة من أصل 476، بالإضافة إلى إسقاط 41 صاروخًا من أصل 48. ومع ذلك، لم يمنع هذا الهجوم الضخم وقوع خسائر فادحة.
تيرنوبيل كانت الأكثر تضررًا، حيث ارتفعت حصيلة الضحايا إلى 25 قتيلاً، بينهم طفلان، و66 مصابًا. كما تسبب القصف في تدمير مبانٍ سكنية، ومنشآت صناعية، ومستودعات، وأشعل حرائق هائلة تسببت في تسرب مواد كيميائية وارتفاع مستويات التلوث. حذرت السلطات السكان من الخروج وإغلاق النوافذ لتجنب التعرض للكلور والغازات السامة المنبعثة من الدخان.
ردود الفعل الأوكرانية والدعوات لتصعيد الدعم
أعرب الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عن غضبه واستيائه من الهجوم، معتبرًا إياه دليلًا قاطعًا على أن “الضغط على روسيا غير كافٍ”. ودعا زيلينسكي إلى فرض عقوبات أكثر فعالية على روسيا وزيادة الدعم العسكري المقدم لأوكرانيا. وزير الخارجية الأوكراني، أندريه سيبيغا، رد بسخرية على الهجوم قائلاً: “هذه هي خطط السلام الروسية في الواقع”. هذه التصريحات تعكس الإحباط المتزايد في كييف من بطء وتيرة الدعم الدولي وفعالية الضغوط على روسيا لوقف العدوان.
تصعيد متبادل: هجوم أوكراني على روسيا
في المقابل، اتهمت وزارة الدفاع الروسية أوكرانيا بشن هجوم على مدينة فورونيج جنوب غرب روسيا باستخدام صواريخ ATACMS الأمريكية. وأكدت روسيا أنها أسقطت أربعة صواريخ، لكن شظاياها تسببت في أضرار لبعض المباني، بما في ذلك عيادة ودار أيتام، دون وقوع إصابات.
وأكدت هيئة الأركان الأوكرانية أن استخدام صواريخ ATACMS يمثل تحولًا في الاستراتيجية بعد أشهر من التوقف عن استخدامها. كما أعلنت موسكو عن إسقاط 65 مسيّرة أوكرانية فوق ست مناطق روسية خلال الساعات القليلة الماضية. هذا التبادل الناري يشير إلى تصعيد متبادل في حدة القتال ويزيد من المخاوف بشأن اتساع نطاق الحرب.
تراجع أوكراني ميداني وجهود دبلوماسية حثيثة
يشهد الوضع الميداني في أوكرانيا تدهورًا ملحوظًا، مع تقارير عن تراجع القوات الأوكرانية على الجبهات الشرقية والجنوبية. مدينة بوكروفسك في الشرق تشهد معارك شرسة ويبدو أنها على وشك السقوط، بينما تمكنت القوات الروسية من السيطرة على أجزاء واسعة من منطقة دنيبروبيتروفسك خلال الصيف، وتحقق تقدمًا في زابوريجيا بعد عامين من الثبات النسبي في تلك الجبهة. هذا التراجع الميداني يضع ضغوطًا متزايدة على الحكومة الأوكرانية ويدفعها إلى البحث عن حلول سياسية.
زيارة زيلينسكي إلى أنقرة وبحث الوساطة التركية
في محاولة لكسر الجمود وإيجاد مخرج سياسي للأزمة، قام الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بزيارة إلى أنقرة الأربعاء، حيث التقى بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان. تأتي هذه الزيارة في إطار جولة أوروبية شملت إسبانيا واليونان وفرنسا، بهدف حشد الدعم الأوكراني واستكشاف فرص الوساطة.
وقد حصل زيلينسكي على دعم يوناني في مجال الطاقة، حيث أكدت الحكومة اليونانية تزويد أوكرانيا بالغاز بين يناير ومارس 2026. وفي باريس، تم التوصل إلى تفاهم جديد يتعلق بتعزيز الدفاع الجوي الأوكراني. وفي مدريد، أعادت إسبانيا التأكيد على دعمها المستمر لأوكرانيا.
خطة سلام سرية بين الولايات المتحدة وروسيا؟
تزامنت هذه الجهود الدبلوماسية مع تسريب معلومات حول خطة سلام سرية يجري إعدادها بين واشنطن وموسكو. نشر موقع “أكسيوس” الأمريكي تقارير تفيد بأن الخطة تتكون من 28 بندًا مستوحاة من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وتشمل أربعة أقسام رئيسية: إحلال السلام في أوكرانيا، والضمانات الأمنية، والأمن الأوروبي، ومستقبل العلاقات الأمريكية مع كل من روسيا وأوكرانيا.
لكن الكرملين نفى هذه التقارير، مؤكدًا على لسان المتحدث دميتري بيسكوف أن روسيا “لا تشارك في المحادثات الجارية”. ومع ذلك، كشف ديميترييف، مدير صندوق الثروة السيادي الروسي، عن اجتماعات مكثفة مع مقربين من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، معربًا عن تفاؤله بنجاح الاتفاق، مشيرًا إلى أن “الموقف الروسي يؤخذ بعين الاعتبار فعليًا، خلافًا للمحاولات السابقة”.
موقف ترامب.. وسيط أم طرف في النزاع؟
منذ عودته إلى البيت الأبيض، قدم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسه كوسيط لإنهاء الحرب، على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت الداعم العسكري الأول لأوكرانيا. لكن مساعي الوساطة لم تحقق حتى الآن نتائج ملموسة، كما فرض ترامب في أكتوبر عقوبات جديدة على قطاع النفط الروسي.
الوضع في أوكرانيا لا يزال معقدًا للغاية، ويتطلب جهودًا دبلوماسية مكثفة وعزمًا دوليًا قويًا للتوصل إلى حل مستدام ينهي هذا النزاع الدامي ويحقق الأمن والاستقرار في المنطقة. الحرب في أوكرانيا تمثل تحديًا كبيرًا للأمن الأوروبي والعالمي، ويجب على جميع الأطراف العمل بجدية لإيجاد طريق للخروج من هذا المأزق. يبقى مستقبل المفاوضات الأوكرانية الروسية مجهولاً، لكن هناك حاجة ملحة إلى إيجاد حلول دبلوماسية. الجهود المبذولة للوصول إلى السلام في أوكرانيا حاسمة لضمان استقرار المنطقة.


