تداعيات كارثية محتملة: خفض المساعدات الخارجية يهدد ملايين الأرواح في الدول النامية

تُثير دراسة دولية حديثة قلقًا بالغًا بشأن مستقبل الصحة والتنمية في الدول النامية، محذرة من أن قرارات بتقليل المساعدات الخارجية من قبل الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية قد تتسبب في خسائر فادحة في الأرواح. تشير التقديرات إلى أن ملايين الأشخاص قد يلقون حتفهم نتيجة لهذه التخفيضات خلال السنوات الخمس القادمة، مما يعيد عقودًا من التقدم إلى الوراء. هذه الأزمة الإنسانية المحتملة تستدعي اهتمامًا فوريًا وشاملًا، خاصة وأنها تؤثر بشكل مباشر على مكافحة الأمراض الفتاكة وتحسين الصحة العامة.

دراسة “ذا لانسيت غلوبال هيلث” تكشف عن حجم الكارثة

نشرت مجلة “ذا لانسيت غلوبال هيلث” المرموقة دراسة مفصلة أعدها باحثون من إسبانيا والبرازيل وموزمبيق، سلطت الضوء على الآثار المدمرة لخفض المساعدات الخارجية. وصفت الدراسة هذه الخطوة بأنها “أكبر ضربة يتعرض لها نظام المساعدات العالمي منذ ثلاثة عقود”، مؤكدةً أنها تستهدف برامج أساسية كانت حجر الزاوية في مكافحة الأمراض وتحسين مستويات المعيشة في البلدان الفقيرة.

تقديرات مرعبة للوفيات الإضافية

التقديرات الواردة في الدراسة مُروعة. في السيناريو الأسوأ، والذي يتضمن استمرار التخفيضات الحالية على نطاق واسع، قد يرتفع عدد الوفيات عالميًا بمقدار 22.6 مليون شخص بحلول عام 2030. ويشمل هذا الرقم 5.4 مليون طفل دون سن الخامسة، مما يمثل خسارة لا تُقدَّر بثمن للأجيال القادمة. حتى في السيناريو الأكثر تفاؤلاً، والذي يفترض خفضًا معتدلاً للمساعدات، لا تزال التقديرات تشير إلى إمكانية حدوث 9.4 مليون وفاة إضافية. هذه الأرقام تؤكد مدى أهمية الدعم الدولي في إنقاذ الأرواح.

الولايات المتحدة في قلب العاصفة

تُشير الدراسة إلى أن جزءًا كبيرًا من هذا التحول السلبي يعود إلى قرار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بخفض المساعدات الخارجية بأكثر من 80% بعد عام 2024. هذا القرار، الذي استند إلى رؤى قدمها رجل الأعمال إيلون ماسك، تضمن حل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)، وهي مؤسسة رئيسية كانت تدير ما يقارب 35 مليار دولار سنويًا من المساعدات.

تبريرات واشنطن وانتقادات واسعة

دافع وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو عن هذا القرار أمام الكونغرس، زاعمًا أن المساعدات “لا تخدم المصالح الأساسية للولايات المتحدة”. كما نفى أي علاقة بين التخفيضات وزيادة الوفيات، واتهم المنظمات المنتقدة بأنها جزء من “مجمع صناعي للمنظمات غير الحكومية”. إلا أن هذه التبريرات لم تلقَ قبولًا واسعًا، حيث يرى العديد من الخبراء أن خفض التمويل الإنمائي يضر بالمصالح الأمريكية على المدى الطويل من خلال زعزعة الاستقرار وتفاقم الأزمات الإنسانية.

أوروبا تواكب التراجع

لم تقتصر التخفيضات على الولايات المتحدة، بل امتدت لتشمل دولًا أوروبية كبرى مثل بريطانيا وفرنسا وألمانيا. بررت هذه الدول قراراتها بزيادة الأعباء المالية وارتفاع الإنفاق الدفاعي في أعقاب الحرب الروسية على أوكرانيا. في المقابل، حافظت اليابان على مستوى نسبي من الاستقرار في مساعداتها خلال العامين الماضيين، مما يبرز اختلافًا في الأولويات والالتزامات.

تأثير طويل الأمد على الصحة العامة

ويؤكد معدّو الدراسة أن عواقب هذه التخفيضات لن تقتصر على المدى القصير. بل قد تمتد لتقويض مشاريع حكومية ودولية بُنيت على مدى عقود، وخاصة برامج مكافحة الأمراض المعدية. إن الاستثمار في الصحة والتنمية ليس مجرد عمل إنساني، بل هو استثمار في الاستقرار العالمي والوقاية من الأزمات. كما أن برامج الصحة العامة التي تدعمها المساعدات الخارجية تلعب دورًا حاسمًا في بناء القدرة على الصمود في وجه التحديات المستقبلية.

قيمة المساعدات لا تضاهى تأثيرها

قال الباحث الرئيسي ديفيد راسيلا إن حجم المساعدات “ليس ضخمًا في السياق العالمي”، لكن تأثيرها على الأرواح مباشر وحاسم. وأضاف أن صانعي القرار “يغيرون الميزانيات دون إدراك فعلي لعدد الأرواح التي قد تُزهق جراء ذلك”. وهذا التحذير يستدعي إعادة تقييم شاملة لأولويات السياسة الخارجية، وإعطاء الأولوية للاستثمار في صحة ورفاهية المجتمعات الأكثر ضعفًا.

نحو استجابة عالمية

ختامًا، تُظهر هذه الدراسة بوضوح أن خفض المساعدات الخارجية يمثل تهديدًا وجوديًا لملايين الأشخاص في الدول النامية. تتطلب هذه الأزمة استجابة عالمية سريعة ومنسقة، من خلال زيادة التمويل الإنساني، وتعزيز الشراكات الدولية، والالتزام الدائم بمكافحة الأمراض وتحسين الصحة العامة. إن تجاهل هذه التحذيرات لن يؤدي إلا إلى تفاقم المعاناة وزعزعة الاستقرار في جميع أنحاء العالم. يجب على الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني أن يتحدوا لمواجهة هذا التحدي وضمان مستقبل أكثر صحة وأمانًا للجميع.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version