يعجز أوراتيل ديلوان عن التعبير بوضوح… لكنّ ندبة كبيرة تظهر على جمجمته عند نزع قبعته، إذ لا يزال هذا الفتى ذو السنوات الاثنتي عشرة يتعايش مع آثار حادثة سقوط، تعرض لها في المراحيض البدائية في مدرسته، في منطقة ريفية بجنوب إفريقيا.

لوح خرساني، وفجوة بسيطة في أعلى حفرة بعمق ثلاثة أمتار ليقضي فيها السكان حاجتهم… لا تزال المراحيض البدائية مستخدمة بشكل شائع في المناطق النائية والمحرومة من جنوب إفريقيا، البلد الذي يسجل الهوة الاجتماعية الأوسع بين السكّان على صعيد العالم بحسب تصنيف البنك الدولي في عام 2022.

هذه المراحيض “الموروثة من حقبة الفصل العنصري”، والتي تثير تنديداً واسعاً لكونها تتسبب بحوادث خطيرة، تشكل علامة على الفوارق التي لا تزال مستعصية في المجتمع المحلي، بعد 30 عاماً من نهاية النظام العنصري، وفق سيبوسيسو خاسا، من منظمة العفو الدولية.

فبحسب الأرقام الرسمية، لا يزال أكثر من 3300 من أصل 23 ألف مدرسة حكومية في البلاد مزودة بهذه المراحيض. لكن الافتقار إلى البنية التحتية اللائقة هو أيضاً نتيجة لفشل الحكومات المتعاقبة في ضمان حقوق متساوية للجميع، وفق خاسا.

وقد قطعت الحكومة وعوداً كثيرة في هذا الاتجاه.. ففي عام 2018، أعلن الرئيس سيريل رامافوزا عن تخصيص نصف مليون دولار للاستغناء عن المراحيض ذات الحفرة في غضون عامين. وفي الآونة الأخيرة، وضعت وزيرة التعليم أنجي موتشيكغا إطاراً زمنياً جديداً لهذه الغاية يحدد المهلة بعام 2025، وقال خاسا إن “عدم الالتزام بالمواعيد النهائية التي يحددونها مؤشر صارخ على غياب الإرادة السياسية”.

في المدرسة الابتدائية بقرية كانانا، على بعد 180 كيلومتراً شمال غرب جوهانسبرغ، استُبدلت المراحيض ذات الحفرة بأخرى حديثة منذ حادثة أورايل.

وتشير والدته ريفيلوي ديلوان (46 عاما) لوكالة فرانس برس إلى أن الحادثة تسببت “بكدمات وتورم في الرأس” لدى ابنها الذي نجا بأعجوبة.

الحادث “قتل طفلي”

وتستحضر الأم بابتسامة حزينة ذكرى طفلها حين كان لا يزال مفعماً بالحيوية وبصحة جيدة، وتقول: “كان يمكن أن يصبح الرئيس المقبل”، وتضيف باكية إن الحادث “قتل طفلي”.

يعاني أوراتيل اليوم من استسقاء في الرأس، وهو اضطراب يعطل وظائف المخ، ولكنه يعاني أيضاً من الصرع والتوحد. وقد خضع لعملية جراحية في عام 2018، لكنه لا يزال يعاني فقداناً في الذاكرة.

فهذا الطفل لا يستطيع تذكر عمره، مع ذلك يستذكر ما حدث له قائلاً “سقطتُ في المرحاض” و “جاء حارس المدرسة ليُخرجني”.

حاملاً دباً قماشياً بين ذراعيه، يظهر التوتر على أوراتيل، إذ يمشط المنزل ذهاباً وإياباً، يتحدث إلى نفسه، ويضحك أحياناً. يقود إيمانويل مانتلاتي شاحنة صغيرة، يبطئ سرعته في الشارع المغبرّ. يطلق بوق مركبته ويلوّح في وجه الصبي الصغير الذي اعتاد نقله إلى المدرسة صباح كل يوم.

في آذار/مارس، توفيت فتاة تبلغ أربع سنوات في حفرة مرحاض في جنوب البلاد. وفي نيسان/ابريل، توفيت فتاة أخرى دون الثانية من العمر في الظروف عينها، في فناء منزل بإقليم آخر. ولم ترد وزارة التربية والتعليم على أسئلة وكالة فرانس برس.

في السنوات الأخيرة، رفعت مجموعات حقوقية دعاوى قضائية ضد الحكومة. وفي عام 2019، حكمت عليها محكمة بدفع ما يقرب من 75 ألف دولار لعائلة مايكل كوماب، الذي توفي إثر سقوطه في مرحاض عام 2014، حين كان عمره خمس سنوات.

وتقول ليبوغانغ ليبيث (48 عاماً)، وهي أم لأربعة أطفال: “نحن خائفون على أبنائنا.. عندما نترك أطفالنا في المدرسة، نعتقد (..) أنهم بأمان. حصول حوادث مماثلة أمر مدمر”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2024 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.