تجددت المواجهات في مدينة القيروان وسط تونس، لليلة الثانية على التوالي، إثر وفاة شاب أثارت غضبًا شعبيًا واسعًا، وتجدد المخاوف بشأن العنف الأمني في البلاد. هذه الأحداث تأتي في ظلّ تصاعد التوترات السياسية والاجتماعية، وتزامناً مع اقتراب ذكرى الثورة التونسية.
تفاصيل الحادثة و ردود الفعل الغاضبة
أفادت عائلة الضحية بأن ابنهم توفي نتيجة إصابته بنزيف في المخ، بعد تعرّضه للاعتداء من قبل قوات الأمن أثناء مطاردة بدراجة نارية غير مرخصة. ووفقًا لرواية العائلة، فقد تم ضرب الشاب داخل سيارة الشرطة، ثم تعنيفه مجددًا بعد إخراجه منها، حتى بعد فقدانه للوعي. الصور التي نشرتها العائلة للضحية، والتي تظهر آثارًا واضحة للتورّم والكدمات، انتشرت بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار موجة غضب واستياء واسعة.
وقد زار والي القيروان منزل العائلة في محاولة لتهدئة الأوضاع، وتعهد بفتح تحقيق شامل لكشف ملابسات الوفاة وتحديد المسؤوليات. ومع ذلك، يرى العديد من المراقبين أن هذه الوعود وحدها لا تكفي، خاصة في ظلّ اتهامات متكررة بـ انتهاكات حقوق الإنسان من قبل الأجهزة الأمنية.
اتهامات بتوظيف القضاء و القمع الأمني
تأتي هذه الحادثة في سياق اتهامات متزايدة موجهة للرئيس قيس سعيد بتوظيف القضاء والأجهزة الأمنية لقمع المعارضين السياسيين. منظمات حقوقية تونسية ودولية قد أعربت عن قلقها العميق بشأن تدهور الأوضاع الحقوقية في البلاد، وتشديد الخناق على الحريات العامة. الرئيس سعيد ينفي هذه الاتهامات بشكل قاطع، مؤكدًا حرصه على احترام القانون وحماية حقوق المواطنين.
ومع ذلك، فإن سلسلة الأحداث الأخيرة، بما في ذلك هذه الوفاة في القيروان، تثير تساؤلات جدية حول مدى استقلالية القضاء وفاعلية آليات الرقابة على الأجهزة الأمنية.
سوابق مقلقة: قابس و الكنيس اليهودي
هذا الحادث ليس منعزلاً، بل يأتي في أعقاب أحداث أخرى مماثلة أثارت جدلاً واسعًا في تونس. ففي مدينة قابس، شهدت الأشهر الماضية احتجاجات للمطالبة بإصلاحات بيئية، وتعرض خلالها الفنان الشاب معزّ بن بركة للدهس من قبل سيارة أمنية، مما أسفر عن إصابته بجروح خطيرة.
كما شهدت العاصمة التونسية في بداية العام الحالي مقتل رجل أضرم النار في نفسه أمام الكنيس اليهودي الكبير، في حادثة أثارت تساؤلات حول الظروف الاجتماعية والاقتصادية التي دفعت به إلى هذا الفعل اليائس.
وفيات مريبة في السجون و تصاعد الاحتجاجات
تثير تقارير منظمات حقوقية حول تزايد حالات الوفيات المريبة في السجون التونسية قلقًا بالغًا. فقد تم تسجيل العشرات من هذه الحالات خلال السنوات الماضية، وكان آخرها وفاة أكرم الجمعاوي داخل سجن المرناقية، حيث أكدت العائلة تعرضه للتعذيب، وهو ما وثقه تقرير الطب الشرعي.
وفي العاصمة، نظمت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مسيرة احتجاجية تحت شعار “لا بدّ للقيد أن ينكسر”، في إشارة إلى قصيدة الشاعر أبو القاسم الشابي الشهيرة. شارك في المظاهرة سياسيون ونشطاء للتنديد بالتضييق على الحريات والمطالبة بوقف الاعتقالات التعسفية.
تداعيات ذكرى الثورة و مستقبل الحريات
تأتي هذه التطورات المتسارعة في ظلّ اقتراب ذكرى الثورة التونسية في 17 ديسمبر، والتي تمثل محطة مفصلية في تاريخ البلاد. يرى العديد من المعارضين أن المكاسب التي تحققت في مجال الحريات والنشاط المدني والسياسي في أعقاب الثورة “تواجه محاولات للتضييق عبر توظيف القضاء وتشديد القبضة الأمنية”.
الخوف يزداد من أن يؤدي استمرار الأزمة الأمنية و تصاعد التوترات إلى مزيد من الانقسامات والتدهور في الأوضاع الحقوقية في تونس. من الضروري إجراء تحقيق مستقل وشفاف في حادثة وفاة الشاب في القيروان، ومحاسبة المسؤولين عن أي تجاوزات أو انتهاكات.
نحو حلول مستدامة و حماية الحقوق
إن معالجة هذه المشكلات تتطلب مقاربة شاملة ومتكاملة، ترتكز على احترام حقوق الإنسان، وتعزيز سيادة القانون، وإصلاح الأجهزة الأمنية والقضائية. كما يجب على الحكومة التونسية أن تفتح حوارًا جادًا مع جميع الأطراف المعنية، بما في ذلك المعارضة ومنظمات المجتمع المدني، بهدف إيجاد حلول مستدامة للأزمة السياسية والاجتماعية التي تشهدها البلاد.
إن مستقبل تونس يعتمد على قدرة جميع التونسيين على التوافق على رؤية مشتركة، تحترم التنوع وتحمي الحريات، وتضمن العدالة والمساواة للجميع. يجب أن تكون ذكرى الثورة التونسية حافزًا للعمل من أجل بناء دولة ديمقراطية قوية ومستقرة، تحترم حقوق الإنسان وتصون كرامة المواطنين.















