أجرى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي جولة أوروبية مكثفة في الأيام الأخيرة، بحث خلالها عن تعزيز الدعم لأوكرانيا في ظل استمرار الحرب مع روسيا. وشملت الجولة محادثات مع قادة اليونان وفرنسا وإسبانيا، مع تركيز على المساعدات العسكرية والمالية والطاقة. هذه التحركات تأتي في وقت حرج، حيث تتزايد الضغوط على أوروبا لتقديم دعم مستمر لكييف، وتترافق مع نقاشات حول أفضل السبل لتلبية احتياجات أوكرانيا المتزايدة.
جولة زيلينسكي الأوروبية: بحثاً عن تعزيز الدعم
ركزت محادثات زيلينسكي في كل محطة على جوانب مختلفة من المساعدة المطلوبة. في أثينا، كان التركيز الأساسي على الطاقة، حيث حصل على تأكيد بشأن تزويد أوكرانيا بالغاز بين شهري يناير ومارس 2026. هذا الدعم في مجال الطاقة يمثل خطوة مهمة لتأمين احتياجات أوكرانيا خلال فصل الشتاء. أما في باريس، فقد أثمرت المحادثات مع الرئيس ماكرون عن تفاهم جديد يتعلق بتعزيز الدفاع الجوي الأوكراني، وهو مجال حيوي لحماية المدن والبنية التحتية من الهجمات الروسية. وفي مدريد، أكدت إسبانيا التزامها المستمر بدعم أوكرانيا، على الرغم من أنها ليست من بين أكبر المساهمين في هذا الملف.
غياب روما عن مسار الجولة: تساؤلات إيطالية
أثار استبعاد روما من جولة زيلينسكي تساؤلات في الصحافة الإيطالية. هل يعكس هذا الغياب تحولاً في العلاقات بين أوكرانيا وإيطاليا؟ أم أنه مجرد ترتيب لوجستي؟ مصادر من السفارة الأوكرانية في روما أوضحت أن اللقاء بين زيلينسكي ورئيسة الوزراء جورجا ميلوني لم يكن مقرراً أصلاً، مشيرة إلى أن الزعيمين التقيا بالفعل على هامش المجلس الأوروبي في أكتوبر الماضي. ومع ذلك، لم ينه هذا التوضيح الجدل الدائر داخل الائتلاف الحاكم الإيطالي.
معارضة داخلية إيطالية لمزيد من المساعدات
أبدى وزير النقل الإيطالي ماتيو سالفيني معارضته لتقديم حزمة مساعدات جديدة لأوكرانيا، مستنداً إلى اتهامات الفساد الموجهة للنخبة السياسية في كييف. هذا الموقف يعكس وجود انقسامات داخل الحكومة الإيطالية بشأن مستوى الدعم المقدم لأوكرانيا. بالإضافة إلى ذلك، يبرز ملف انضمام إيطاليا إلى مبادرة “PURL” التابعة لحلف شمال الأطلسي، والتي تهدف إلى شراء أسلحة أمريكية مخصصة لأوكرانيا. حتى الآن، لم تحسم الحكومة الإيطالية موقفها من هذه المبادرة، على الرغم من مشاركة ستة عشر دولة أوروبية أخرى فيها.
حزمة المساعدات العسكرية الإيطالية قيد المراجعة
من المقرر أن يقدم وزير الدفاع الإيطالي غيدو كروزيستو الحزمة العسكرية الثانية عشرة إلى لجنة Copasir في ديسمبر المقبل. وستكون هذه الحزمة، كما هو الحال في المرات السابقة، سرية. هذا الإجراء يعكس حساسية الموضوع والرغبة في تجنب إثارة المزيد من الجدل السياسي.
هل تتجاهل إيطاليا أوكرانيا؟ تحليل الخبراء
إيلينورا توفارو، الباحثة الرفيعة في مرصد “ISPI” لشؤون روسيا والقوقاز وآسيا الوسطى، ترى أن عدم توقف زيلينسكي في روما لا يعكس أي رسالة سلبية. وتشير إلى أن الجولة كانت قصيرة جداً، وأن هناك أهدافاً واضحة بالنسبة لليونان وفرنسا. أما إسبانيا، فهي ليست من أبرز الداعمين على الرغم من استمرارها في تقديم المساعدة. وتضيف: “لا أعتقد أن عدم زيارة زيلينسكي لإيطاليا ينطوي على رغبة في تهميشها. إيطاليا شريك موثوق بالنسبة لأوكرانيا، ومتسق في مواقفه، حتى لو لم يكن بين أكبر المساهمين قياساً بالناتج المحلي الإجمالي.”
وتؤكد توفارو أن روما أبدت أيضاً قربها من كييف من خلال تنظيم مؤتمر إعادة إعمار أوكرانيا مؤخراً. هذا المؤتمر يمثل فرصة مهمة لجذب الاستثمارات ودعم جهود إعادة الإعمار في أوكرانيا.
اعتبارات اقتصادية وتوجه أوروبي نحو الصناعات الدفاعية
حول تردد إيطاليا في الانضمام إلى مبادرة PURL، تشير توفارو إلى أن هناك توجهًا أوروبيًا متزايدًا نحو تعزيز الصناعات الدفاعية الوطنية. وتوضح أن المنطق وراء هذا التوجه هو مساعدة أوكرانيا في الوقت نفسه الاستفادة من ذلك في تطوير الصناعات والاقتصاد الأوروبي. هذا النهج يعكس رغبة الدول الأوروبية في تحقيق الاستقلالية في مجال الدفاع وتقليل الاعتماد على الولايات المتحدة.
مقارنة بين مستويات الدعم الأوروبي لأوكرانيا
تشير بيانات Statista إلى أن الدنمارك تتصدر قائمة الدول الأوروبية التي تقدم مساعدات لأوكرانيا قياساً بالناتج المحلي الإجمالي (2.89٪)، تليها إستونيا (2.8٪) وليتوانيا (2.16٪). وتأتي إيطاليا في المرتبة السابعة والعشرين، بعد فرنسا وألمانيا. أما في مجال المساعدات العسكرية، فتحتل ألمانيا المركز الأول بـ16.51 مليار يورو، تليها المملكة المتحدة (13.77 مليار يورو) والدنمارك (9.16 مليارات يورو). وتأتي إيطاليا في المرتبة الحادية عشرة بمبلغ 1.7 مليار يورو.
مستقبل الدعم الأوروبي لأوكرانيا
تؤكد توفارو أن فرنسا والمملكة المتحدة تعتبران من أبرز المساهمين في المجال الأمني. وتضيف أن فرنسا لا تكتفي بتصدير الأسلحة، بل تعمل أيضاً على تصنيعها مع أوكرانيا. وتسعى كييف أيضاً إلى تعزيز صناعتها الدفاعية كجزء من مسارها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. وتختتم الباحثة حديثها بالإشارة إلى أن ألمانيا تظل الدولة الأوروبية التي تقدم أكبر قدر من الأموال والأسلحة لأوكرانيا.
في الختام، على الرغم من بعض التردد والمعارضة الداخلية، يبدو أن إيطاليا ملتزمة بدعم أوكرانيا، ولكن ربما بوتيرة مختلفة عن بعض الدول الأوروبية الأخرى. وتستمر المناقشات حول أفضل السبل لتقديم هذا الدعم لأوكرانيا، مع الأخذ في الاعتبار المصالح الوطنية والاعتبارات الاقتصادية. من المهم متابعة التطورات في هذا الملف، حيث أن مستقبل أوكرانيا يعتمد بشكل كبير على استمرار الدعم الأوروبي.















