في تطور يثير تساؤلات حول العدالة المتأخرة والمساءلة عن جرائم الحرب، فتحت النيابة العامة الألمانية تحقيقًا مع رجل يبلغ من العمر 100 عام، يشتبه في تورطه في عمليات قتل وقعت داخل معسكر الأسرى “شتالاغ 6 أيه” خلال الحرب العالمية الثانية. هذا التحقيق، الذي يمثل تحديًا قانونيًا ولوجستيًا، يسلط الضوء على الجهود المستمرة لمحاسبة المسؤولين عن الفظائع النازية، حتى بعد مرور عقود طويلة. يركز هذا المقال على تفاصيل القضية، والتطورات القانونية التي سمحت بمثل هذه التحقيقات، والتحديات المتزايدة التي تواجهها السلطات الألمانية في ملاحقة الحراس النازيين.

تحقيق مع حارس معسكر أسرى نازي يبلغ من العمر 100 عام

أعلنت صحيفة “بيلد” الألمانية في 22 نوفمبر عن فتح النيابة العامة في دورتموند تحقيقًا مع رجل مسنّ خدم كحارس في معسكر الأسرى “شتالاغ 6 أيه” الواقع بالقرب من مدينة همر غربي ألمانيا، بين ديسمبر 1943 وسبتمبر 1944. تتهم النيابة العامة الرجل بالمشاركة في عمليات قتل ارتكبت خلال تلك الفترة، مع التأكيد على أن التحقق من كفاية الأدلة لا يزال جاريًا قبل توجيه اتهام رسمي.

معسكر همر كان مركزًا رئيسيًا لاحتجاز الأسرى خلال الحرب العالمية الثانية، حيث استقبل أكثر من 200 ألف أسير بين عامي 1939 و1945. للأسف، لقي حوالي 24 ألف أسير حتفهم داخل المعسكر، إما على يد الحراس مباشرة أو نتيجة للظروف القاسية التي سادت فيه، بما في ذلك الاكتظاظ، وسوء الصرف الصحي، وانتشار الأمراض مثل السل. كان معظم الأسرى من الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى البولنديين والفرنسيين والبلجيكيين.

نقطة التحول القانونية: قضية ديميانيوك

شهد عام 2011 تحولًا كبيرًا في الموقف القانوني تجاه جرائم الحرب النازية، وذلك بإدانة جون ديميانيوك، الحارس السابق في معسكر الموت “سوبيبور”. هذه الإدانة فتحت الباب أمام المحاكم الألمانية للاعتماد على دور الحراس داخل النظام النازي كدليل على المساهمة المباشرة في القتل، حتى في غياب دليل قاطع على ارتكابهم فعلًا إجراميًا محددًا.

منذ ذلك الحين، أُدين عدد من الحراس السابقين في معسكرات الاعتقال بناءً على هذا المبدأ القانوني الجديد. وفي عام 2020، صدر حكم بالسجن على حارس سابق يبلغ من العمر 93 عامًا بتهمة التواطؤ في قتل أكثر من خمسة آلاف شخص. هذه الأحكام أكدت مبدأ الملاحقة القضائية إلى أقصى حد ممكن، حتى بعد مرور ما يقارب ثمانية عقود على نهاية الحرب. هذا التطور القانوني عزز من إمكانية ملاحقة المجرمين النازيين حتى في سن الشيخوخة.

سباق مع الزمن: تراجع أعداد المشتبه بهم وتحديات صحية

مع مرور الوقت، تتضاءل فرص المحاكم في ملاحقة الحراس النازيين السابقين، بسبب الوفاة أو العجز الصحي لمعظمهم. أُغلقت العديد من الملفات في السنوات الأخيرة لعدم قدرة المشتبه بهم على المثول أمام القضاء. ففي عام 2021، أظهر تحقيق أن رجلًا يبلغ من العمر 96 عامًا، يشتبه في كونه حارسًا سابقًا، غير مؤهل صحيًا للمثول أمام المحكمة.

كما شهدت ألمانيا وفاة عدد من المتهمين قبل إتمام محاكمتهم. توفي جوزيف شوتز، الذي حُكم عليه بالسجن خمس سنوات في يونيو 2022، بعد أقل من عام عن بلوغه 102 عامًا. وفي بداية هذا العام، توفي رجل آخر كان يشتبه في خدمته كحارس في معسكر “ساكسنهاوزن” قبل توجيه الاتهامات إليه بالتواطؤ في قتل أكثر من 3,300 شخص.

مستقبل التحقيق في دورتموند: تحديات ومسؤولية أخيرة

الوضع الحالي للرجل الذي يخضع للتحقيق في دورتموند غير واضح. يواجه المحققون سباقًا محمومًا مع الزمن، حيث أن تدهور حالته الصحية قد يمنع إجراء محاكمة عادلة. هذا يطرح تساؤلات حول إمكانية تحقيق العدالة في هذه الحالات، خاصة مع تقدم عمر المتهمين وتدهور صحتهم.

ومع ذلك، يرى البعض أن مجرد فتح التحقيق يمثل خطوة مهمة نحو المساءلة والاعتراف بجرائم الماضي. إن ملاحقة جرائم الحرب، حتى بعد مرور عقود طويلة، تحمل رسالة قوية مفادها أن الفظائع لن تُنسى وأن المسؤولين عنها سيواجهون العدالة، مهما طال الزمن. هذا التحقيق يذكرنا بأهمية الحفاظ على الذاكرة التاريخية ومكافحة التطرف والكراهية.

في الختام، يمثل التحقيق مع الحارس النازي البالغ من العمر 100 عام في دورتموند تحديًا قانونيًا وأخلاقيًا. إنه يجسد الصراع المستمر بين العدالة المتأخرة والقيود الزمنية والصحية. سواء أدى التحقيق إلى إدانة أم لا، فإنه يظل بمثابة تذكير مؤلم بفظائع الماضي وأهمية السعي الدائم لتحقيق العدالة والمساءلة. يمكن للقراء التعمق في هذا الموضوع من خلال البحث عن معلومات إضافية حول معسكرات الاعتقال النازية وتاريخ المحاكمات النازية.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version