وكانت الاحتجاجات قد اندلعت يوم الأربعاء الماضي بعد اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو حيث داهمت قوات الشرطة مقر إقامته فجرًا في الوقت الذي تحقق فيه السلطات في مزاعم فساد واتهامات بالإرهاب.

اعلان

أصدرت محكمة تركية في الساعات الأولى من يوم الأحد أمرًا رسميًا بتوقيف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو وإيداعه الحبس الاحتياطي حتى يتمّ البت في محاكمته بتهم تتعلق بالفساد.

وقال مكتب المدعي العام إن المحكمة قررت سجنإمام أوغلو للاشتباه في إدارته منظمة إجرامية وقبول رشاوى وابتزاز وتسجيل بيانات شخصية بطريقة غير قانونية والتلاعب في العطاءات.

رغم استمرار ملاحقته قضائيًا، رفضت المحكمة طلب بسجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو على خلفية قضايا تتعلق بالإرهاب. حيث وجه مكتب المدعي العام للسياسي المعارض اتهامات بدعم حزب العمال الكردستاني المحظور.

وقالت المحكمة إنّه “رغم وجود شبهات قوية حول تقديم (إمام أوغلو) الدعم لمنظمة إرهابية مسلحة، إلا أنه في ظل قرار الاعتقال السابق الصادر بحقه على خلفية تهم مالية، لا ضرورة لحبسه في هذه المرحلة بسبب تلك الشبهات”

تم نقل رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو إلى سجن سيليفري الواقع غرب مدينة إسطنبول، تنفيذًا لقرار المحكمة. كما تم احتجاز 47 شخصًا آخرين احتياطيًا على ذمة المحاكمة إلى جانب إمام أوغلو، من بينهم مساعد بارز ورئيسا بلديتين: وهما مراد كاليك وريسول إمرة ساهان، اللذان يمثلان محافظتي بيليك دوزو وشيشلي في إسطنبول.

أعلنت وزارة الداخلية في وقت لاحق أن أكرم إمام أوغلو قد تم إيقافه عن مزاولة مهام منصبه “كإجراء مؤقت”. ومن المقرر أن يتم تعيين بديل له من خلال انتخابات داخلية تجرى ضمن المجالس البلدية، حيث يحظى حزب الشعب الجمهوري، الذي ينتمي إليه إمام أوغلو، بالأغلبية.

استمرار الاحتجاجات لليلة الخامسة

تجمعت الحشود خارج مبنى بلدية إسطنبول لليوم الخامس على التوالي، في احتجاجات مستمرة منذ اعتقال أكرم إمام أوغلو يوم الأربعاء.

إذ يخرج عشرات الآلاف يوميًا للمشاركة في المظاهرات والمطالبة بالإفراج الفوري عن رئيس البلدية، متهمين الرئيس رجب طيب أردوغان باستهداف أكرم إمام أوغلو بشكل ممنهج لأسباب سياسية.

كان من المتوقع أن يتم تسمية السياسي المعارض، الذي يُعتبر أحد أبرز المنافسين السياسيين للرئيس رجب طيب أردوغان، كمرشح رئاسي عن حزب الشعب الجمهوري خلال أول انتخابات تمهيدية للحزب يوم الأحد. ومن المقرر أن تُجرى الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2028.

اندلعت الاشتباكات عندما ألقى المتظاهرون المشاعل والحجارة باتجاه وحدات مكافحة الشغب المتمركزة في المنطقة، لترد الشرطة باستخدام رذاذ الفلفل في محاولة لتفريق الحشود.

وقد جاءت هذه الاعتقالات بعد مرور يوم واحد على تظاهر مئات الآلاف خارج مبنى المحكمة التي شهدت استجواب أكرم إمام أوغلو يوم السبت.

وأعلن وزير الداخلية التركي علي يرليكايا عن اعتقال 323 شخصًا خلال احتجاجات يوم السبت، متعهدًا بتطبيق سياسة “عدم التسامح” تجاه كل من يهدد “سلامة وأمن الشعب” أو “يثير الفوضى أو يحرض عليها”.

هجوم مضاد من أردوغان

يوم السبت، وقبل ساعات فقط من إصدار المحكمة قرار اعتقال أكرم إمام أوغلو رسميًا، تطرق الرئيس رجب طيب أردوغانإلى الأزمة الداخلية التي بدأت ملامحها تتكشف.

وفي كلمة ألقاها خلال حفل مأدبة إفطار بمناسبة شهر رمضان المبارك، دعا الرئيس رجب طيب أردوغان حزب الشعب الجمهوري إلى عدم ممارسة أي ضغوط على القضاء التركي أثناء التحقيقات الجارية بشأن الجرائم المحتملة المتعلقة بقضايا الفساد والإرهاب.

وقال أردوغان: “إذا كنتم تمتلكون الشجاعة، فاتركوا الديمقراطية والقانون يأخذان مجراهما. وإذا كنتم تتحلون بالجرأة، فدعوا المحاكم تصدر قراراتها نيابة عن الشعب التركي دون أي تدخل أو ضغوط.”

اعلان

كما صوب سهام انتقاداته ضد حزب الشعب الجمهوري واتهمه بالتحريض على العنف والخروج عن القانون. وأكد مجدداً أنه لا يوجد أحد في تركيا خارج نطاق القانون، وقال إنه لا توجد “أقلية محظوظة” لها الحرية في ارتكاب الجرائم.

وتعهد أردوغان أيضًا بعدم التسامح مع أعضاء الحزب الذين يعرقلون النظام المدني ويثيرون انقسامًا غير ضروري بين السكان البالغ عددهم 86 مليون نسمة.

وقال: “مهما فعلت المعارضة، لن نحيد عن المنطق السليم والصبر والسلام. وبلدياتنا ستخدم الشعب دون الانخراط في الفساد.”

كما انتقد أردوغان الحزب المعارض ورئيسه أوزغور أوزيل، مؤكدًا أن حزب الشعب الجمهوري لن ينظر إليه كتنظيم سياسي حتى يتخلص من “اللصوص والناهبين”، وقال إنه حزبٌ تديره قيادة “أعمى المال بصيرتها”.

اعلان

“يجب ألا يذهب أوزيل بعيدًا في بحثه عن اللصوص. إنهم موجودون حوله”. كما تحدى أردوغان حزب الشعب الجمهوري أن يرد بشكل مباشر على الادعاءات الواردة في القضية، بدلاً من اللجوء إلى الخطاب الشعبوي لإثارة الفوضى.

وأَضاف، “لا يمكنهم الرد على الادعاءات في القضية، لذا فهم يحاولون إلهاء الناس. إنهم يدركون جيدًا أن المزيد من الحقائق ستظهر إلى النور.”

الانتخابات التمهيدية لحزب الشعب الجمهوري – “اقتراع التضامن”

وجاء الاعتقال الرسمي لعمدة بلدية اسطنبول في الوقت الذي انطلقت فيه عملية انتخاباتتمهيدية لحزب الشعب الجمهوري المعارض لاختيار ممثل للحزب في الاستحقاق الرئاسي المقبل ، حيث شارك أكثر من 1.7 مليون عضو في التصويت لتأييد أكرم إمام أوغلو، المرشح المحتمل الوحيد أمام أردوغان في 2028.

كما نظم الحزب إقامة صناديق اقتراع رمزية في مختلف أنحاء البلاد، لتمكين الأشخاص غير المنتمين للحزب من التعبير عن دعمهم لرئيس البلدية. وبدأت حشود كبيرة بالتوافد منذ وقت مبكر من يوم الأحد للمشاركة في “اقتراع تضامني”.

اعلان

وقال فوسون أربن، 69 عامًا، في مركز اقتراع في منطقة كاديكوي في إسطنبول: “لم تعد هذه مشكلة حزب الشعب الجمهوري فحسب، بل مشكلة الديمقراطية التركية”. “نحن لا نقبل أن تُغتصب حقوقنا بهذه السهولة. سنقاتل حتى النهاية.”

حتى لحظة الاحتجاج ليلة الأحد، بلغ عدد المقترعين حوالي 15 مليون صوت، منها نحو 13 مليون صوت من غير الأعضاء الذين شاركوا في العملية تضامنا مع الحزب.

وفي منشور على وسائل التواصل الاجتماعي، أشاد إمام أوغلو بالنتيجة من سجن سيليفري، وكتب قائلا إن الشعب قال لأردوغان “لقد طفح الكيل”. “سيصل صندوق الاقتراع، وستوجه الأمة صفعة للإدارة لن تنساها أبدًا”.

إمام أوغلو وتاريخ من القضايا الجنائية

واجه أكرم إمام أوغلو قبل اعتقاله الأخير، عدة قضايا جنائية قد تؤدي إلى أحكام بالسجن وتفرض عليه حظراً سياسياً. وفي الوقت الحالي، يطعن في إدانته التي صدرت بحقه عام 2022 بتهمة إهانة أعضاء المجلس الانتخابي الأعلى في تركيا.

اعلان

كما، ألغت جامعة إسطنبول في وقت سابق من هذا الأسبوع شهادة أكرم إمام أوغلو، مشيرة إلى مخالفات شابت عملية تحويله من جامعة خاصة في شمال قبرص عام 1990. وفي حال تأكيد هذا القرار، فإنه سيمنعه عملياً من الترشح لمنصب الرئاسة، نظراً لأن القانون التركي يشترط حصول المرشحين على مؤهل تعليمي عالٍ. ومن جانبه، أعلن إمام أوغلو عزمه استئناف القرار.

ردود الفعل المحلية والدولية على قرار الاعتقال

في تصريح للصحفيين بعد الإدلاء بصوته، قال رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش، وهو عضو في حزب الشعب الجمهوري الذي ينتمي إليه أكرم إمام أوغلو: “نحن فعلاً نشعر بالحرج بالنيابة نظامنا القانوني”.

وقال زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل إن سجن إمام أوغلو يذكرنا “بأساليب المافيا الإيطالية”. وأضاف متحدثًا في خطاب ألقاه في قاعة بلدية إسطنبول: “من جهة، يوجد إمام أوغلو في السجن لكنه من جهة أخرى في طريقه إلى رئاسة الجمهورية”.

بدوره، انتقد مجلس أوروبا، الذي يُعنى بقضايا تعزيز حقوق الإنسان والديمقراطية، القرار الصادر بحق أكرم إمام أوغلو، ودعا إلى الإفراج الفوري عنه.

اعلان

كما وصفت الحكومة الألمانية سجن رئيس البلدية بأنه “انتكاسة خطيرة للديمقراطية في تركيا”، مضيفة أن “المنافسة السياسية يجب ألا تتم في ردهات المحاكم وغياهب السجون”.

شاركها.
اترك تعليقاً

2025 © السعودية خبر. جميع حقوق النشر محفوظة.