بقلم:&nbspمحمد نشبت&nbspمع&nbspيورونيوز

نشرت في

اعلان

تتزايد مخاوف النازحين الفلسطينيين من مأساة جديدة مع اقتراب الشتاء، وقد أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة أن نحو 93% من خيام النازحين لم تعد صالحة للإقامة، بعد عامين من حرب مدمرة خلّفت أكثر من مليوني شخص بلا مأوى.

وقال مدير المكتب، إسماعيل الثوابتة، إن 125 ألف خيمة من أصل 135 ألفًا تضررت أو تفككت بفعل الحرارة والرياح، وأخرى أصابها القصف أو البلل، لتتحول إلى أقمشة ممزقة فوق رؤوس النازحين.

وأشار إلى أن الإغلاق الإسرائيلي للمعابر منذ مارس/آذار الماضي حتى توقيع الاتفاق في أكتوبر/تشرين الأول الحالي حرم القطاع من إدخال خيام جديدة ومواد إغاثة، ما فاقم الأزمة الإنسانية.

نازحون في غزة يواجهون العراء

على امتداد الأراضي الموحلة في مخيمات النزوح داخل غزة، يعيش آلاف الفلسطينيين في العراء منذ أكثر من عام، بعدما تهدّمت بيوتهم وأصبحت الخيام المتنقلة موطنهم المؤقت. ومع اقتراب الشتاء، تتزايد المخاوف من أن ينهار ما تبقّى من الملاجئ المؤقتة التي لم تعد تقوى على الصمود أمام الرياح والمطر، فيما ترتفع أسعار المواد الأساسية لتجعل إعادة بناء الخيام حلماً بعيد المنال.

هيام أبو صخر، نازحة من بيت لاهيا، تختصر معاناتها بهذه الكلمات: “نزحتُ في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ومنذ ذلك اليوم وأنا أتنقّل من خيمة إلى أخرى. كانت كل خيمة أبنيها تكلّفني ما بين ألفٍ وألفي شيقل. اشتريتُ الخشب والحديد والأغطية، لكنّها ذابت وانهارت تحت وطأة الحرّ والمطر. اليوم لا أستطيع أن أعيد تشييد خيمة جديدة، فكلّ شيء بات باهظ الثمن، والخيام الجاهزة تُباع بما بين ألفين وثلاثة آلاف شيقل، وهي غير متوفرة”.

تتوقف قليلاً قبل أن تضيف: “كنت أسكر على حالي ببطنية، أي شي بس يسد الهوا”، وتتابع: “عندما انهارت الخيمة الأخيرة، قلت إنني سأعيد نصبها من جديد، لكن حتى الأعمدة الحديدية ليست ملكنا. عليّ أن أشتري كل شيء من جديد، ولديّ أبناء يحتاجون إلى خيمةٍ مستقلة، ومطبخٍ وحمامٍ أيضًا.. أريد أن أستقر قليلًا، لكن كيف يمكن ذلك؟”.

حال هيام لا يختلف كثيراً عن هديل حمد، النازحة من بيت حانون، التي تقول إنها لم تحصل على خيمة جاهزة منذ بداية نزوحها: “جمعنا شوادر من الناس ودفعنا ألف شيقل. اليوم، إن أردتَ بناء خيمة جيدة، فتكلفتها تصل إلى خمسة آلاف شيقل، ولا سيّما إذا كانت تضم مطبخًا وحمامًا”.

أما منى صيام من رفح، فتعيش مع أسرتها في خيمة بدير البلح وتصف معاناتها قائلة: ” لكلّ خيمة حكاية وتكلفة. في المرة الأخيرة بلغت كلفتها 2500 شيقل مقابل الخشب وحده، إذ ارتفع سعره كثيرًا. لم أستطع شراء النايلون، فغطّيناها بالقماش. ومع اقتراب الشتاء، أعلم أنّها لن تحمينا من شيء. العودة إلى رفح ليست خيارًا قريبًا، والمواصلات وحدها تحتاج إلى 1500 شيقل. في المرة السابقة انتظرنا اثنتي عشرة سنة بعد حرب عام 2003 حتى يُعاد إعمار البيت، وفي النهاية قصَفه الجيش الإسرائيلي. شو نضمن اليوم؟”.

من جهته، يلخّص محمد فهمي، النازح من النصيرات، معاناة آلاف العائلات بالقول: “لم يعُد الناس يحلمون بالعودة، بل صار حلمهم أن يمتلكوا خيمة لا تتمزّق. نخشى ان يغرق المخيم مع المطر. نحاول ترقيع الأقمشة وربط الأعمدة، لكن الجميع يعلم أنّ هذه الخيام لن تصمد طويلًا. الشتاء يقترب، والبرد سيتسلّل إلينا من كلّ الجهات”.

تهديدات صحية وبيئية وإعمار غائب

تتجاوز معاناة النازحين حدود المأوى، إذ تنتشر الخيام في جنوب ووسط القطاع فوق أراضٍ غير صالحة للسكن. يقول المتطوع حسين النفار إن هذه البيئة “بؤرة محتملة للأمراض، خصوصًا مع غياب المراحيض وشح المياه، حيث تضم الخيمة الواحدة بين 8 و10 أشخاص”.

ومع تفاقم أوضاع المخيمات، يبقى ملف إعادة الإعمار الغائب الأكبر عن المشهد، فصور الأقمار الصناعية الصادرة عن الأمم المتحدة تكشف أنّ حجم الدمار في غزة غير مسبوق منذ الحرب العالمية الثانية، إذ تضرر نحو 83 في المئة من مباني مدينة غزة، ودُمر أكثر من 17 ألف مبنى بالكامل، بينما تُقدّر كمية الأنقاض بنحو 55 مليون طن.

وتقدّر كلفة إعادة الإعمار بين 50 و70 مليار دولار، فيما تطرح الحكومة الفلسطينية خطة تعافٍ على خمس سنوات تشمل البنية التحتية، لكن غياب آليات التنفيذ، والقيود الإسرائيلية على إدخال المواد، يعيقان أي تقدم فعلي.

وفي ظل غياب الحلول الملموسة، ووجود قيود قد تعرقل محاولات إعادة الإعمار، يبقى النازحون عالقين بين أنقاض مدنهم وخيامٍ لا تقيهم بردًا ولا مطرًا، وهم يواصلون محاولاتهم اليومية للبقاء على قيد الحياة في أرضٍ أنهكها الموت والدمار. ويختصر محمود العزاوي من مخيم المغازي هذا الواقع بقوله: “صرنا نحفظ شكل السماء من داخل الشادر، نعرف صوت المطر قبل ما ينزل، بس ما عدنا نعرف صوت البيت”.

شاركها.
اترك تعليقاً