فرنسا على أعتاب حظر وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال: حماية الشباب في العصر الرقمي
مع تزايد المخاوف حول تأثير منصات التواصل الاجتماعي على صحة وسلامة الأطفال والمراهقين، تتجه فرنسا نحو تطبيق حظر شامل على استخدام هذه المنصات لمن هم دون 15 عامًا. هذه الخطوة تأتي في أعقاب قرار مماثل في أستراليا، وتؤكد التزام الحكومة الفرنسية بحماية الأجيال القادمة من المخاطر المتزايدة في العالم الرقمي. يمثل هذا التحرك نقطة تحول في كيفية تعامل الدول مع هذه القضية الحساسة، ويفتح الباب لمزيد من النقاشات حول تنظيم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال على مستوى العالم.
فرنسا تحذو حذو أستراليا: مشروع قانون جديد قيد الإعداد
بدأت فرنسا بالفعل في اتخاذ خطوات جادة نحو حظر وسائل التواصل الاجتماعي للأطفال، حيث أعلنت عن إحالة مشروع قانون جديد إلى الجهات المختصة لإجراء التدقيق القانوني. ومن المقرر أن يتم مناقشة هذا المشروع في البرلمان الفرنسي في بداية العام الجديد، بهدف دخوله حيز التنفيذ مع بداية العام الدراسي 2026. هذا القانون يتضمن بندين رئيسيين: حظر استخدام منصات مثل فيسبوك، سناب شات، تيك توك، ويوتيوب على من هم دون سن الخامسة عشرة، بالإضافة إلى حظر استخدام الهواتف المحمولة في المدارس الثانوية، وهو ما يمثل امتدادًا لحظر مماثل تم تطبيقه بالفعل على المدارس الابتدائية والمتوسطة.
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون كان قد شدد في الأسابيع الماضية على أهمية التحرك السريع في هذا الاتجاه، واصفًا التجربة الأسترالية بأنها “خطوة أولى من نوعها على مستوى العالم” تستحق الدراسة والمتابعة. وتعتبر هذه الخطوة الفرنسية بمثابة اعتراف متزايد بالمخاطر التي تتعرض لها الأطفال والمراهقين بسبب التعرض غير المنظم لمحتوى الإنترنت.
مراجعة قانونية ومناقشات مع النقابات التعليمية
قبل طرح مشروع القانون للمناقشة البرلمانية، سيتم إحالته إلى مجلس الدولة الفرنسي لإجراء مراجعة قانونية شاملة. ويهدف ذلك إلى التأكد من توافق القانون مع الدستور والقوانين الأخرى، وتجنب أي ثغرات قانونية قد تؤدي إلى عرقلة تنفيذه. بالإضافة إلى ذلك، ستتلقى النقابات التعليمية نسخة من المشروع لمراجعتها وتقديم ملاحظاتها، وذلك بهدف ضمان سلاسة تطبيقه في المدارس الثانوية.
دوافع الحظر: حماية الأطفال من المخاطر الرقمية
تستند الحكومة الفرنسية في قرارها إلى مجموعة من المبررات الهامة، أبرزها المخاطر الصحية والنفسية التي يتعرض لها المراهقون بسبب الاستخدام المفرط للشاشات. وتشمل هذه المخاطر التعرض لمحتوى غير لائق، والتنمر الإلكتروني، واضطرابات النوم، وتراجع التحصيل الدراسي، وزيادة مشكلات الصحة النفسية مثل القلق والاكتئاب.
يهدف مشروع القانون أيضًا إلى “حماية الأجيال المقبلة” وضمان نموهم وتطورهم في بيئة صحية وآمنة. ويؤكد على أهمية تعزيز القيم المشتركة في المجتمع، وحماية الأطفال من التأثيرات السلبية المحتملة لوسائل الإعلام الرقمية. الرئيس ماكرون شبّه الأمر بمراهق يقود سيارة فورمولا واحد قبل أن يتعلم قواعد القيادة، مبيناً أن الهدف ليس الفوز بالسباق، بل تعلم الاحتياطات والقيادة الآمنة. إنضروا هذه المقارنة في سياق التنمر الإلكتروني الذي يستهدف الأطفال بشكل خاص.
ماكرون: وسائل التواصل الاجتماعي ليست مصممة للنقاش الديمقراطي
أعرب الرئيس ماكرون عن قلقه بشأن طبيعة تصميم منصات وسائل التواصل الاجتماعي، والتي لا تشجع على التوعية أو النقاش الديمقراطي البناء. وأشار إلى أن الإفراط في استخدام هذه المنصات يؤدي إلى استنزاف وقت المستخدمين، مما ينعكس سلبًا على حياتهم الاجتماعية والسياسية. وشدد على أنه “لا يمكن السماح لهذه الفوضى بالازدهار على هذا النحو”، وأنه من الضروري فرض ضوابط صارمة على استخدامها.
تطورات إقليمية ودولية: هل نشهد حملة عالمية لتقييد الوصول؟
لا يقتصر النقاش حول حظر وسائل التواصل الاجتماعي على فرنسا وحدها، بل يشهد زخمًا متزايدًا في العديد من الدول الأوروبية والعالمية. فبعد التجربة الأسترالية، بدأت دول مثل الدنمارك والنرويج في دراسة إمكانية فرض قيود مماثلة على من هم دون سن 15 عامًا. وهذا يعكس إدراكًا متزايدًا بأهمية حماية الأطفال من المخاطر الرقمية، والحاجة إلى إيجاد حلول فعالة لمواجهة هذه التحديات.
الوزيرة الفرنسية المكلفة بالتنمية الرقمية والذكاء الاصطناعي، آن لو إيناف، أكدت أن حظر وسائل التواصل الاجتماعي على الأطفال يمثل أولوية حكومية، وأن مشروع القانون سيكون متوافقًا مع القانون الأوروبي، وخاصة قانون الخدمات الرقمية الأوروبي الذي يهدف إلى مكافحة خطاب الكراهية والمعلومات المضللة.
السياق السياسي: ماكرون يسعى لترك بصمة
يأتي هذا التوجه في وقت حساس بالنسبة للرئيس ماكرون، الذي يسعى إلى تحديد ملامح إرثه السياسي في عامه الأخير في الرئاسة. ومع وجود برلمان منقسم، يواجه ماكرون صعوبات في تمرير بعض القوانين، إلا أنه يبدو مصممًا على تحقيق تقدم في هذا الملف، الذي يحظى بدعم واسع من المجتمع الفرنسي.
في الختام، يمثل مشروع القانون الفرنسي خطوة مهمة نحو حماية الأطفال والمراهقين من المخاطر المتزايدة في العصر الرقمي. ومن المرجح أن يكون له تأثير كبير على السياسات المتعلقة بتنظيم وسائل التواصل الاجتماعي في العديد من الدول الأخرى. يبقى التحدي الأكبر هو إيجاد توازن بين حماية الأطفال والحفاظ على حريتهم في الوصول إلى المعلومات والتعبير عن آرائهم. يتطلب هذا التوازن تعاونًا وثيقًا بين الحكومات، والشركات التقنية، والمدارس، والأسر، لضمان مستقبل آمن ومزدهر للأجيال القادمة.















