بقلم:&nbspيورونيوز

نشرت في

مع وصول قادة العالم إلى مدينة بيليم البرازيلية لانطلاق قمة المناخ “كوب 30″، برز غياب دولتين كانتا تلعبان دوراً مهماً في المفاوضات المناخية خلال العقد الماضي: الولايات المتحدة وإسرائيل.

وبينما جاء الغياب الإسرائيلي نتيجة الحرب وتحويل جزء كبير من الموارد إلى الجهدين العسكري والدبلوماسي، حمل الغياب الأميركي دلالات سياسية واضحة، خصوصاً في سياق أزمة عالمية ترتفع فيها درجة حرارة الأرض بوتيرة غير مسبوقة.

إسرائيل: مشاركة منقوصة

تغيب إسرائيل هذا العام عملياً عن المؤتمر، بعد مشاركة واسعة العام الماضي شملت جناحاً رسمياً ووفداً كبيراً. وزارة حماية البيئة الإسرائيلية أعلنت أن الحرب الجارية وتحويل الموارد إلى الجهدين العسكري والدبلوماسي دفعاها إلى عدم إرسال وفد رسمي أو إقامة جناح.

وسيقتصر الحضور على مسؤولَين من الوزارة يتناوبان على المشاركة لأسبوع لكل منهما، مع متابعة المداولات التقنية من خلال المشاركة في الجلسات عبر الإنترنت. وتؤكد الوزارة أن ممثليها سيحاولون التركيز على ملفات محددة مثل برامج الوقاية من حرائق الغابات، رغم محدودية المشاركة.

الولايات المتحدة: غياب سياسي يخيّم على القمة

غياب الولايات المتحدة ترك أثراً أكبر بكثير من مجرد عدم وجود وفد. فالرئيس الأميركي دونالد ترامب، الذي سحب بلاده من اتفاق باريس للمناخ فور توليه منصبه، قرر ألا يوفد أي مسؤول رفيع المستوى إلى قمة القادة في بيليم، وهي خطوة أثارت قلقاً واسعاً بين الدبلوماسيين والناشطين.

ورغم أن الصين سترسل نائب رئيس وزرائها دينغ شيوشيانغ، فإن واشنطن ستبقى مقعدها فارغاً، تاركة لقادة القمة، من بينهم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني فريدريش ميرتس، مهمة التعامل مع تداعيات الغياب الأميركي على المشهد المناخي العالمي.

وقد حذّر خبراء وناشطون من أن غياب الولايات المتحدة، التي لعبت سابقاً دوراً محورياً في إقناع الصين بكبح الانبعاثات وتأمين تمويل للدول الفقيرة، قد يعكس تراجعاً عالمياً أوسع في الالتزام بالسياسات المناخية.

وقال نادينو كالابوتشا، المتحدث باسم إحدى مجموعات السكان الأصليين في الأمازون: “موقف ترامب يؤثر على التوازن العالمي بأسره… إنه يدفع الحكومات أكثر نحو الإنكار وإلغاء القوانين التنظيمية”.

هذا الفراغ الأميركي لا يقتصر على القمة الحالية، بل يأتي تتويجاً لمسار كامل من السياسات التي تشمل التراجع عن الضوابط البيئية، عرقلة مشاريع الطاقة النظيفة، والانسحاب من اتفاق باريس، الخطوة التي ستدخل حيّز التنفيذ في كانون الثاني/يناير 2026.

وقد قدّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة أن سياسات الإدارة الأميركية ستضيف نحو عُشر درجة مئوية إلى ارتفاع حرارة الأرض خلال العقود المقبلة.

أثر الغياب الأميركي على المفاوضات

رغم عدم مشاركتها رسمياً، لا يزال تأثير الولايات المتحدة حاضراً من خارج القاعة. ففي اجتماعات المنظمة البحرية الدولية قبل أسابيع، مارست واشنطن ضغوطاً لإسقاط مقترح عالمي لفرض أول ضريبة كربون على قطاع الشحن، في خطوة رآها البعض دليلاً على أن الولايات المتحدة قد تعمد إلى التأثير على مسار كوب 30 من الهامش، لا من الداخل.

ويشير خبراء تحدثوا إلى شبكة “سي إن إن” إلى أن قدرة الولايات المتحدة على التأثير المباشر في المفاوضات قد تكون محدودة هذا العام بسبب غياب الوفد الرسمي، لكن عدم الحضور لا يعني غياب التأثير، خصوصاً مع استمرار السياسة الأميركية في ربط المناخ بالتجارة والطاقة بطريقة غير مسبوقة.

وبحسب محللين، فقد أبعدت الولايات المتحدة نفسها عن مسار المفاوضات الرسمية لاتفاق باريس، وفي الوقت نفسه مارست ضغوطاً على شركائها التجاريين للتراجع عن التزامات مناخية أو تخفيفها، وهو تناقض يرى خبراء أنه قد يلقي بظلاله على كوب 30.

وكانت الإدارة الأميركية قد انتقدت العملية التفاوضية في مؤتمرات المناخ بشكل واضح، معلنة أنها لا تعتزم المشاركة. وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض تايلور روجرز لشبكة “سي إن إن”: “لن يعرّض الرئيس ترامب أمننا القومي أو اقتصادنا للخطر سعياً وراء أهداف مناخية مبهمة تدمّر دولاً أخرى”، مؤكدة أن الولايات المتحدة لن ترسل أي ممثلين رفيعي المستوى إلى كوب 30.

وأضافت أن ترامب “يتواصل مباشرة مع قادة العالم بشأن قضايا الطاقة”، سواء عبر صفقات تجارية أو اتفاقات سلام ترتبط بشكل كبير بمشاريع الطاقة، ما يعكس محاولة الإدارة خلق مسار موازٍ للعلاقات الدولية خارج إطار مفاوضات المناخ التقليدية.

قمة بيليم في لحظة حاسمة

يأتي كل ذلك فيما تحذر تقارير الأمم المتحدة من أن الخطط المناخية التي قدمتها الدول هذا العام لا تزال عاجزة عن إبقاء الاحترار العالمي قريباً من هدف 1.5 درجة مئوية. وقد أرسلت نحو 60 دولة فقط خططها المحدّثة في الموعد المحدد، فيما تواصل الانبعاثات العالمية الارتفاع.

وفي غياب الولايات المتحدة وإسرائيل، يجد المفاوضون أنفسهم أمام طاولة تفتقد لاعبين أساسيين في لحظة مفصلية، بينما تزداد التحديات في ملفات التمويل المناخي، خفض الانبعاثات، ومساعدة الدول الفقيرة على التكيف.

رغم اختلاف الأسباب بين غياب إسرائيل وغياب الولايات المتحدة إلا أن النتيجة واحدة: فراغ يخيّم على واحدة من أهم قمم المناخ في السنوات الأخيرة. وفي وقت تتطلع فيه الدول النامية إلى وعود تمويلية ملموسة، تبدو الطريق نحو توافقات واسعة أكثر صعوبة، في غياب دولة كبرى مثل الولايات المتحدة عن الطاولة.

شاركها.
اترك تعليقاً