اعلان

في تطور مثير لقضية التلاعب في مياه الشرب المعبأة التابعة لشركة “نستله ووترز”، كشف تقرير صادر عن لجنة التحقيق البرلمانية في مجلس الشيوخ الفرنسي أن مسؤولين في عدة وزارات، إضافة إلى محافظ ومدير وكالة الصحة الإقليمية في منطقة أوكسيتاني، تواطؤوا مع الشركة العملاقة لتعديل تقرير رسمي حول جودة المياه المستخدمة في إنتاج مياه “بيرييه” في منطقة فيرجيز (جنوب فرنسا).

وبحسب التقرير، تم تغيير التقرير الأصلي لإخفاء معلومات حول تلوث مياه الآبار بالبكتيريا والمبيدات، بما في ذلك مواد محظورة منذ سنوات، وذلك “بناءً على طلب من نستله”، رغم اعتراض بعض الموظفين الحكوميين ورفض أحدهم التوقيع على النسخة المعدّلة.

تحقيقات واستجابة حكومية سرية

تعود بداية القصة إلى عام 2022، حين علمت الدولة منذ صيف 2021 بممارسات غير قانونية في مصانع “نستله”، لكنها لم تتحرك إلا في نوفمبر 2022، عندما أجرت وكالة الصحة أول تفتيش لمصنع “بيرييه” وأكدت وجود تلوث في جميع الآبار بالبكتيريا، بعضها من أصل برازي، بالإضافة إلى معالجات غير قانونية للمياه لا تضمن التعقيم الكامل.

وفي رسالة رسمية إلى “نستله” نهاية عام 2022، طلبت محافظة “غار” تدمير كميات من المياه المعبأة بسبب وجود بكتيريا خطرة، وهو ما يتعارض مع تصريحات وزارة الصحة التي أنكرت سابقاً وجود أي خطر صحي.

في عام 2023، ضغطت رئيسة “نستله ووترز” مورييل لينو على وكالة الصحة الإقليمية لتعديل التقرير الرسمي، قبل اجتماع لجنة محلية تضم خبراء وجمعيات لا بد أن توافق على مشروع جديد من “نستله” لتحويل الآبار المتضررة إلى إنتاج مشروبات غازية تُسوَّق لاحقاً باسم “ميزون بيريه”.

ورغم أن طلب التعديل رُفض في البداية، لجأت “نستله” إلى الحكومة الفرنسية مباشرة، حيث تدخل مستشارون من وزارتي الصناعة والصحة، وتواصلوا مع مدير وكالة الصحة ديدييه جافري مطالبين بـ”الحد من تسريب المعلومات”.

ويُظهر أحد الإيميلات أن الهدف كان حماية صورة “نستله” وتفادي كشف مسؤولية الدولة عن السماح باستغلال آبار ملوثة لثلاث سنوات متتالية.

في الأول من كانون الأول/ ديسمبر 2023، وبعد ضغوط المحافظ وشخصيات من الشركة، تم تعديل التقرير ليتماشى مع مطالب “نستله”، وشُطبت الإشارات إلى البكتيريا والمبيدات، وظهرت بدلاً منها عبارات مطمئنة مثل “تحاليل متوافقة في أكثر من 97% من الحالات”.

“نستله” تشارك في صياغة التقرير بنفسها

تشير الرسائل المتبادلة إلى أن مسؤولي “نستله” لم يكتفوا بالضغط، بل أرسلوا بأنفسهم فقرات بديلة ليتم إدراجها في التقرير. وأكد مدير وكالة الصحة لاحقاً أنه ناقش التعديلات مع رئيسة الشركة، وأنه طلب منها “عناصر لغوية” لتنسيق الرسائل الإعلامية لاحقًا.

في 13 كانون الأول/ ديسمبر، عُرض التقرير على اللجنة المحلية وقد تم حذف كافة العناصر التي تجرّم الشركة أو تشير إلى تقصير الدولة.

بعدها بيومين، أرسلت الوكالة قرارات رسمية إلى “نستله”، ليردّ أحد مسؤوليها برسالة شكر كتب فيها: “شكراً على دعمكم لهذا المشروع الحاسم لموقعنا في فيرجيز”.

السناتور ألكسندر ويزيي، المقرر البرلماني، وصف ما حدث بأنه “فضيحة غير مسبوقة”، مضيفاً أن “نستله لم تكتفِ بالضغط بل أصبحت شريكًا في صياغة تقرير صحي رسمي… وهذا تطور بالغ الخطورة يتطلب محاسبة عاجلة”.

التقرير البرلماني أكد أن “نستله ووترز لا تزال حتى اليوم غير متوافقة مع المعايير التنظيمية”، بينما يتم إخفاء معلومات حساسة عن الرأي العام، مثل تلك المتعلقة بمصنع الشركة في منطقة “فوج”، حيث أُخفيت نتائج تحاليل تُظهر وجود بكتيريا في مياه “فيتيل” و”هيبار” منذ عام 2019 وحتى 2025، رغم استمرار استخدام فلاتر غير مطابقة للمعايير.

اعلان

محاولات تعديل القانون لتبرير الفساد؟

تشير وثائق جديدة إلى أن المدير العام السابق للصحة، غريغوري إيميري، الذي من المتوقع أن ينضم إلى الإليزيه مستشاراً صحياً، اقترح أواخر 2024 السماح باستخدام فلاتر أقل كفاءة (0.45 ميكرون) بذريعة أن “بلجيكا وإسبانيا تستخدمها”.

الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الأساس العلمي لهذا القرار، خصوصاً أن وكالة السلامة الصحية لم تُصدر أي توصية تسمح بتغيير المعايير.

خلاصة التقرير صادمة، فجميع آبار فيرجيز فقدت “نقائها الأصلي” ولم تعد تستوفي شروط تصنيفها كـ”مياه معدنية طبيعية”، وهي الشروط التي تضمن السلامة الصحية للمستهلكين. ورغم ذلك، سمحت الحكومة باستمرار بيع هذه المياه تحت هذه التسمية، ما يشكل تضليلاً للمستهلكين ويكشف تواطؤاً عميقاً بين الدولة والشركة العملاقة.

اعلان
شاركها.
اترك تعليقاً