في كل عام، يتوافد الآلاف إلى إيرلندا ليشهدوا حدثًا فلكيًا وتاريخيًا فريدًا من نوعه: الانقلاب الشتوي في موقع نيوغرانج الأثري. هذا العام، لم يكن الأمر مختلفًا، حيث اجتمع ما يقرب من 2000 شخص للاحتفال بهذه اللحظة المميزة التي تربط بين الإنسان والطبيعة والتاريخ القديم. يعتبر نيوغرانج من أهم المواقع الأثرية في العالم، وشروق الشمس في يوم الانقلاب الشتوي فيه تجربة لا تُنسى.
أهمية الانقلاب الشتوي في نيوغرانج
نيوغرانج، أو “Dumhaín Nua” باللغة الغيلية، هو قبر ممرّي يعود إلى العصر الحجري الحديث، وهو جزء من مجمع “Brú na Bóinne” الأوسع، أحد مواقع التراث العالمي لليونسكو. ما يميز هذا القبر ليس فقط عمره الذي يتجاوز 5000 عام، بل تصميمه الذكي الذي يتماشى مع الأحداث الفلكية.
تصميم القبر الممرّي وعلاقته بالشمس
تم بناء نيوغرانج بحيث تسمح أشعة الشمس بالدخول إلى الحجرة الداخلية في يومي الانقلابين الشتوي والصيفي. هذا الإنجاز الهندسي والفلكي يدل على معرفة متقدمة لدى شعوب العصر الحجري الحديث بحركة الشمس والنجوم. في يوم الانقلاب الشتوي، وهو أقصر أيام السنة، يمثل دخول الشمس إلى القبر رمزًا لعودة النور وانتصار الحياة على الظلام، وهو مفهوم كان له أهمية كبيرة في الثقافات القديمة.
تحديات شروق الشمس في يوم الانقلاب الشتوي 2023
على الرغم من التوقعات العالية، واجه شروق الشمس في يوم الانقلاب الشتوي لهذا العام بعض التحديات. كانت السماء صافية في معظم أنحاء إيرلندا، ولكن سحابة منخفضة غطت الأفق الشرقي في اللحظات الحاسمة. هذا الحجب الجزئي أثار قلق الحاضرين الذين سافروا من بعيد لمشاهدة هذه الظاهرة الطبيعية.
ومع ذلك، لم ييأس الزوار. تسرب جزء من الضوء عبر “صندوق السقف” – وهو فتحة صغيرة فوق مدخل القبر – مما سمح برؤية الظاهرة بشكل خافت. وبالفعل، مع مرور الوقت وانقشاع السحب، بدأت أشعة الشمس تتسلل تدريجيًا إلى الحجرة الداخلية، لتضيء المكان وتملأه بالدفء.
لحظات تاريخية داخل القبر الممرّي
بعد انقشاع السحب، اصطف الزوار بفارغ الصبر للحصول على فرصة دخول الحجرة الداخلية. هذه الفرصة لا تُتاح إلا لعدد قليل جدًا من الأشخاص، حيث تم اختيار 14 شخصًا فقط للدخول في لحظة شروق الشمس.
هؤلاء المحظوظون كانوا يتألفون من مرشدين اثنين، وستة فائزين في يانصيب الانقلاب الشتوي المجاني، بالإضافة إلى مرافق لكل منهم. يمكن تصور مدى الإثارة والشعور بالرهبة الذي انتاب هؤلاء الأشخاص وهم يشاهدون أشعة الشمس الذهبية تغمر الحجرة الداخلية، وتضيء النقوش والرسومات الصخرية القديمة.
تجارب الزوار وانطباعاتهم
شارك العديد من الزوار انطباعاتهم عن التجربة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووصفوها بأنها “روحانية”، و”مذهلة”، و”لحظة لا تُنسى”. أعربوا عن تقديرهم للتصميم المعماري المذهل للقبر، وللأهمية الثقافية والتاريخية للحدث. كما أشادوا بالتنظيم الجيد والجهود المبذولة من قبل المسؤولين لضمان تجربة ممتعة وآمنة للجميع. مواقع أثرية في ايرلندا مثل نيوغرانج تجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
الاحتفالات المصاحبة للانقلاب الشتوي
لم يقتصر الاحتفال بالانقلاب الشتوي في نيوغرانج على مشاهدة شروق الشمس فحسب. شملت الاحتفالات أيضًا العديد من الفعاليات الثقافية والموسيقية التي أقيمت في المنطقة المحيطة بالقبر. تم تنظيم ورش عمل تعليمية حول تاريخ وأساطير نيوغرانج، وعروض فنية مستوحاة من العصر الحجري الحديث.
بالإضافة إلى ذلك، استمتع الزوار بفرصة استكشاف مجمع “Brú na Bóinne” بأكمله، الذي يضم العديد من القبور الممرية الأخرى والمواقع الأثرية الهامة. هذه الفعاليات ساهمت في خلق جو احتفالي مفعم بالحيوية، وجعلت تجربة زيارة نيوغرانج أكثر ثراءً وإمتاعًا. السياحة في ايرلندا تشهد ازدهارًا خاصًا خلال هذه الفترة.
مستقبل الاحتفال بالانقلاب الشتوي في نيوغرانج
يستمر الاهتمام بالانقلاب الشتوي في نيوغرانج في النمو عامًا بعد عام. ويعتبر هذا الحدث فرصة فريدة لتعزيز الوعي بأهمية التراث الثقافي والطبيعي لإيرلندا، ولجذب السياح من جميع أنحاء العالم.
من المتوقع أن يستمر المسؤولون في تطوير الفعاليات والخدمات المصاحبة للاحتفال، لضمان تجربة ممتعة وغنية للزوار. كما سيتم التركيز على الحفاظ على الموقع الأثري وحمايته من التدهور، لضمان استمراره كرمز للتاريخ والثقافة الإيرلندية للأجيال القادمة. الاحتفال بـ الانقلاب الشتوي في نيوغرانج هو أكثر من مجرد حدث فلكي؛ إنه تجسيد لصلة الإنسان العميقة بالكون والتاريخ.
في الختام، على الرغم من التحديات الجوية الطفيفة، كان الاحتفال بالانقلاب الشتوي في نيوغرانج هذا العام ناجحًا ومثيرًا للإعجاب. لقد أثبت هذا الحدث مرة أخرى أهمية هذا الموقع الأثري الفريد، وقدرته على جذب الزوار وإلهامهم من جميع أنحاء العالم. ندعوكم لزيارة نيوغرانج في المستقبل القريب، لتختبروا بأنفسكم سحر هذا المكان التاريخي.















