في قلب مدينة دير البلح المحاصرة، تتحدى مجموعة من لاعبي كرة القدم الفلسطينيين الصعاب وتسطر قصة أمل وإصرار لا تعرف المستحيل. هؤلاء اللاعبون، الذين فقدوا أطرافهم نتيجة للحرب المتواصلة والظروف القاسية، استأنفوا تدريباتهم على أرض ملعب شعبي، مؤكدين أن كرة القدم للمبتورين ليست مجرد رياضة، بل هي رسالة تحدٍ وعودة للحياة.

العودة إلى الملاعب: قصة أمل من قلب غزة

بعد عامين من الحرب الدامية على قطاع غزة، والتي خلفت وراءها عشرات الآلاف من الضحايا والجرحى، عاد الأمل يضيء من جديد في ملعب صغير بوسط دير البلح. هؤلاء اللاعبون، الذين يمثلون فريق فلسطين لكرة القدم للمبتورين، خاضوا أول مباراة تدريبية لهم، استعدادًا للمشاركة في بطولة خاصة تهدف إلى إحياء الأمل وتقديم الدعم النفسي والمعنوي لذوي الإعاقة.

القصص المؤلمة وراء هؤلاء الأبطال متشابهة، فبعضهم فقد أطرافه خلال مسيرات العودة السلمية في عامي 2018 و 2019، حيث تعرض المتظاهرون لإصابات بالغة نتيجة لقمع الاحتلال. بينما أصيب آخرون خلال الحرب الأخيرة على غزة، التي وثقت وزارة الصحة الفلسطينية مقتل أكثر من 69 ألف شخص فيها، بالإضافة إلى آلاف الجرحى الذين يعانون من إعاقات دائمة.

لحظات مؤثرة في الملعب

مشهد اللاعبين لحظة انطلاق صافرة البداية كان مؤثرًا للغاية. رأيناهم واقفين بشموخ، الكثير منهم على ساق واحدة مستندين على عكازاتهم، وعيونهم تلمع بالأمل والتصميم. مع انطلاق المباراة، تحركوا برشاقة ومهارة، يطاردون الكرة ويمررونها بحماس يشعل الروح.

بالقرب من أحد المرميين، شاهدنا ذراعًا اصطناعية لوضعها حارس المرمى بجواره أثناء حراسة شباكه، وهي صورة تعبر عن الإصرار والتحدي في مواجهة الصعاب. الحضور الخجول الذي احتشد على أطراف المدرج، كان يتابع اللحظات بقلوب دامعة، تقديرًا لهذه الروح القتالية التي تحيي الأمل في النفوس.

كرة القدم للمبتورين: أكثر من مجرد رياضة

المدير الفني للفريق، شادي أبو عرمانة، أكد أن الفريق كان يستعد للمشاركة في تصفيات كأس العالم في جاكرتا، لكن الحرب وإغلاق المعابر حالوا دون تحقيق هذا الحلم. لكنه أضاف: “لم نفقد الأمل، لذلك جئنا إلى هذه البطولة، بطولة ’الأمل‘، لنعيد إحياء الأمل ونرسم البسمة على وجوه ذوي الإعاقة والمبتورين.”

الرياضة التكيفية تلعب دورًا حيويًا في حياة هؤلاء الأبطال. فهي ليست مجرد وسيلة للتعبير عن الذات وتحدي الإعاقة، بل هي أيضًا وسيلة للاندماج المجتمعي وتعزيز الثقة بالنفس. فريق كرة القدم للمبتورين يمثل نموذجًا حيًا على أن الإعاقة ليست نهاية المطاف، بل هي بداية لمرحلة جديدة من التحدي والإصرار.

قصص شخصية ملهمة

ماضي النواصرة، أحد اللاعبين، كان لاعب كرة قدم محترفًا قبل الحرب. يروي ماضي قصته المؤلمة: “كنت لاعب كرة قدم، لكن فقدت ساقي بعد استهداف منزلي العام الماضي”. ومع ذلك، لم يستسلم ماضي لليأس، وأصر على مواصلة لعب الكرة. “الآن، ورغم بتر ساقي، ما زلتُ مصممًا على مواصلة لعب كرة القدم”، يقول ماضي بفخر.

قصة ماضي ليست فريدة من نوعها، فهي تعكس قصة العديد من اللاعبين في الفريق، الذين تحدوا الصعاب ورسموا البسمة على وجوه عائلاتهم وأصدقائهم. إعادة التأهيل النفسي و دعم المجتمع لهما دور كبير في مساعدة هؤلاء الأبطال على تجاوز الصدمة واستعادة الثقة بأنفسهم.

التحديات المستقبلية وآفاق الأمل

تواجه كرة القدم للمبتورين في غزة العديد من التحديات، بما في ذلك نقص الإمكانيات المادية والتدريبية، وصعوبة الحصول على التمويل اللازم للمشاركة في البطولات الخارجية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع الأمني المتدهور وإغلاق المعابر يعيقان حركة الفريق ويحدان من فرص تطوره.

ومع ذلك، يظل الأمل موجودًا. فاللاعبون والمدربون على استعداد لبذل قصارى جهدهم لتحقيق حلمهم وتمثيل فلسطين في المحافل الدولية. الدعم المجتمعي والدولي ضروري لمساعدة هؤلاء الأبطال على تجاوز التحديات وتحقيق النجاح.

في الختام، قصة فريق فلسطين لكرة القدم للمبتورين هي قصة أمل وإصرار تستحق أن تُروى. إنها قصة تذكرنا بأن الإعاقة ليست عائقًا أمام تحقيق الأحلام، وأن الإرادة القوية والتصميم يمكن أن يتغلبا على أي صعاب. ندعو الجميع لدعم هؤلاء الأبطال وتشجيعهم على الاستمرار في مسيرتهم نحو المجد، وإلى المساهمة في تطوير الرياضة التكيفية في فلسطين. شاركوا هذه القصة لتشجيعهم و لإلهام الآخرين.

شاركها.
اترك تعليقاً