بقلم: يورونيوز
نشرت في
اعلان
أكدت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) أن سكان قطاع غزة يعانون فعليًا من حالات إغماء ناجمة عن الجوع الشديد، وسط استمرار الحصار وغياب الإمدادات الغذائية. وأوضحت الوكالة في بيانها أن ذلك يحدث رغم وجود كميات كبيرة من الأطعمة والسلع على بُعد كيلومترات قليلة من القطاع، إلا أن الحصار يمنع وصولها إلى السكان. وأشارت الوكالة، إلى أن الفلسطينيين يُجبرون على النزوح المتكرر داخل مساحة صغيرة جدًا لا تتجاوز عُشر مساحة القطاع، حيث لا يجدون ملاذًا آمنًا، مؤكدةً أن وقف إطلاق النار أصبح ضرورة إنسانية عاجلة لا يمكن تأجيلها.
هذا الواقع المأساوي في غزة يسلط الضوء على التأثيرات الصحية الخطيرة التي يسببها الحرمان من الطعام. لفهم مدى خطورة هذه الأوضاع، نستعرض كيف يتعامل الجسم مع نقص الغذاء وكيف يؤثر ذلك على وظائفه الحيوية.
ماذا يحدث للجسم عندما يُحرم من الطعام؟
عندما يُمنع الإنسان من الطعام، يدخل جسمه في سلسلة معقدة من التغيرات الحيوية التي تهدف للحفاظ على الحياة، ولكنها في الوقت نفسه تسبب تدهورًا صحيًا تدريجيًا. في الأيام الأولى، يستخدم الجسم مخزون الغلوكوز الموجود في الكبد والعضلات لتوليد الطاقة، ويبدأ الشخص بالشعور بالجوع، التعب، الصداع، وضعف التركيز، مع تقلبات في المزاج وزيادة هرمون التوتر. ومع مرور الوقت، وبعد نفاد مخزون الغلوكوز، يبدأ الجسم في حرق الدهون عبر عملية الكيتوزيس لإنتاج الطاقة، مما يؤدي إلى فقدان وزن واضح وبرودة في الجسم وبطء في الحركة، مع ضعف في الجلد والشعر وتراجع في النشاط الذهني.
ومع استمرار انقطاع الغذاء لفترة أطول، يبدأ الجسم في هدم العضلات والأنسجة الحيوية، بما في ذلك عضلة القلب، ما يسبب ضعفًا خطيرًا في أداء الأعضاء الحيوية مثل الكبد والكلى والدماغ. تظهر اضطرابات نفسية وعقلية مثل الهذيان والاكتئاب، وينخفض ضغط الدم بشكل مهدد للحياة، ما يؤدي في النهاية إلى فشل الأجهزة الحيوية والموت إذا لم يتم التدخل.
الأطفال هم الأكثر تضررًا من الجوع بسبب حاجتهم المستمرة للنمو والتطور. يؤثر سوء التغذية على نموهم الجسدي والعقلي، ويضعف جهازهم المناعي، مما يجعلهم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض. كما أن تأثيرات الجوع تمتد إلى ما بعد انتهاء الأزمة، حيث يعاني الأطفال المتضررون من صعوبات معرفية وسلوكية قد تستمر معهم طوال حياتهم.
الإغماء الناجم عن الجوع
حالات الإغماء التي تشهدها غزة هي نتيجة لانخفاض حاد في مستوى السكر في الدم، وهو المصدر الأساسي لطاقة الدماغ. عندما يُحرم الجسم من الطعام لفترة طويلة، تنفد مخازن السكر ويبدأ الدماغ في المعاناة من نقص في الوقود والأكسجين. كما يؤدي نقص السوائل وانخفاض ضغط الدم إلى تراجع تدفق الدم إلى الدماغ، مما يؤدي إلى فقدان الوعي. قبل الإغماء، يعاني الأشخاص من دوار شديد، رؤية مشوشة، تعرق بارد، رعشة وتسارع في ضربات القلب. في ظل الظروف القاسية التي يعيشها سكان غزة، تكررت هذه الحالات بشكل متزايد، خاصة بين الأطفال وكبار السن والمرضى.
غزة على شفا مجاعة شاملة
تتصاعد مؤشرات الجوع في غزة بشكل خطير مع استمرار الحرب، حيث أبلغت وزارة الصحة في القطاع عن وفاة 86 شخصًا بسبب الجوع وسوء التغذية منذ بداية الصراع، بينهم 76 طفلاً. وفي الأيام الأخيرة فقط، توفي 19 شخصًا جراء الجوع، مما ينذر بكارثة إنسانية محتملة. وحذر مسؤولو الصحة من “وفيات جماعية” إذا استمر الوضع على حاله، خصوصًا مع استمرار الحصار الذي يمنع دخول الغذاء والدواء.
تعريف المجاعة وفق الأمم المتحدة وهل ينطبق على غزة؟
بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الذي تعتمد عليه الأمم المتحدة، تُعلن المجاعة عندما تعاني نسبة كبيرة من السكان من نقص حاد في الغذاء، ويصل معدل وفيات الأطفال إلى مستويات حرجة، مع انتشار شديد لسوء التغذية الحاد بين الأطفال. وبالنظر إلى التقارير الطبية والحقائق الميدانية، فإن غزة باتت على أعتاب تحقيق هذه المعايير.
الحاجة إلى تدخل فوري ووقف إطلاق النار
تؤكد “أونروا” والمنظمات الإنسانية أن إنهاء الأزمة لا يقتصر فقط على فتح المعابر، بل يتطلب وقفًا فوريًا لإطلاق النار ورفع الحصار لضمان تدفق آمن ومستمر للمساعدات. الجوع في غزة لم يعد مجرد تهديد وشيك، بل واقع مؤلم يقتل السكان يوميًا في صمت، مطالبين المجتمع الدولي بالتحرك العاجل قبل فوات الأوان.