إسرائيل وإيران: خياران استراتيجيان في مواجهة التوتر المتصاعد

يشهد الشرق الأوسط توترات متزايدة، خاصة فيما يتعلق ببرنامج إيران النووي والدور الإقليمي لحزب الله في لبنان. وفي هذا السياق، صرّح اللواء (احتياط) إيتان بن إلياهو، قائد سلاح الجو الإسرائيلي الأسبق، بأن إسرائيل تقف أمام خيارين حاسمين في التعامل مع إيران: إما شن حرب شاملة، أو تبني نهج يعتمد على الضغط الاقتصادي الموازي لجهود دبلوماسية لإحياء المفاوضات. هذا الموضوع الحيوي، الوضع الإقليمي المتوتر، يلقي بظلاله على مستقبل المنطقة.

الضغط على إيران: تقييم نجاعة الضربات الإسرائيلية

يرى بن إلياهو أن “عملية الأسد الصاعد” الإسرائيلية في يونيو 2025، والتي استهدفت منشآت نووية قرب أصفهان، حققت نجاحاً مؤقتاً في إبطاء البرنامج النووي الإيراني لسنوات. ومع ذلك، فإن هذه العملية لم تتمكن من القضاء على البرنامج بشكل كامل، مما يضع إسرائيل أمام مفترق طرق استراتيجي يتطلب اتخاذ قرار سريع.

وقد أكدت قيادة الجيش الإسرائيلي ومراقبون دوليون أن الضربات الجوية الإسرائيلية ألحقت أضراراً واسعة بالبنية التحتية الإيرانية المتخصصة في إنتاج الوقود النووي وتصنيع الصواريخ. وبالرغم من هذه الفعالية، يشدد بن إلياهو على أن “نقطة الضعف تكمن في عدم القضاء على البرنامج النووي، بل تأخيره فحسب”.

رد فعل طهران وتكيّفها مع الهجمات

ولفت بن إلياهو إلى أن طهران لم تضيع الوقت في معالجة نقاط الضعف التي كشفتها الهجمات، وتعلمت دروساً قيمة. وتشمل هذه الدروس زيادة عدد الصواريخ وتحسين دقتها، وإعادة تموضع منصات الإطلاق إلى مناطق أبعد في الشرق والجنوب، وتشتيت البنية التحتية النووية، وتعزيز عنصر المفاجأة في أي عمليات مستقبلية. ويحذر من أن “الجمهورية الإسلامية تدرس الصراع بعناية وتعمل على التكيّف معه”، مؤكداً أن الخيارين الواقعيين أمام إسرائيل هما إما الدخول في “حرب شاملة” أو تبني مسار “الضغط الاقتصادي جنباً إلى جنب مع العودة إلى المفاوضات”. هذا التقييم يركز على أهمية فهم استراتيجية إيران في المنطقة.

الملف اللبناني: الالتزام بالاتفاق مع تحذيرات حاسمة

في المقابل، يتبنى بن إلياهو رؤية مختلفة للوضع في جنوب لبنان. ويؤكد أن إسرائيل تعمل حالياً “ضمن بنود الاتفاق” الذي تم التوصل إليه برعاية أمريكية، واصفاً الوضع بأنه “أكثر حساسية” من الملف الإيراني.

ويوضح أن إسرائيل تعتبر نفسها في حقها في اتخاذ الإجراءات المنصوص عليها في الاتفاق، طالما أن حزب الله لم يتخل عن سلاحه ولم يقم بإخلاء الجنوب اللبناني. لكنه يحذر في الوقت نفسه من أن “أي توسع في العمليات خارج إطار الاتفاق سيدمر حزب الله بأيدينا”.

اغتيال الطبطبائي وتأثيره على التصعيد

وتأتي تصريحات بن إلياهو حول لبنان في أعقاب الضربة الإسرائيلية التي استهدفت رئيس الأركان العسكري لحزب الله، هيثم علي الطبطبائي. ويصف هذه الضربة بأنها كانت “وسيلة للردع والتهديد والعقاب، ووسيلة ضغط على الحكومة اللبنانية لوقف تراكم قوة حزب الله”، مؤكداً أن “القضية الأساسية هي إيران”.

ووفقاً لمسؤول أمريكي، فإن اغتيال الطبطبائي “أجّل عملية عسكرية إسرائيلية كبيرة محتملة في لبنان”، وأن إدارة ترامب ترى أن هذه الخطوة منحت إسرائيل “مساحة أوسع للمناورة السياسية”. ويستبعد المسؤول الأمريكي حالياً استئناف إسرائيل للحرب في لبنان في الأيام القليلة المقبلة.

أول تواصل مباشر بين إسرائيل ولبنان منذ سنوات

في تطور لافت، استضافت بلدة الناقورة اللبنانية يوم الأربعاء اجتماعاً دبلوماسياً بين مسؤولين إسرائيليين ولبنانيين برعاية أمريكية، وهو أول تواصل مباشر وعلني من هذا النوع منذ عام 1993. وركز اللقاء على “التعارف بين الطرفين” واستكشاف إمكانية التعاون الاقتصادي في “إعادة إعمار المناطق المتضررة من الحرب”.

ويأتي هذا اللقاء في سياق مساعٍ أمريكية لتعزيز الحوار بين إسرائيل ولبنان، بهدف “خفض التوترات وتجنب استئناف الحرب”. هذا التقارب الدبلوماسي يمثل فرصة لتحسين العلاقات الإسرائيلية اللبنانية، على الرغم من التحديات الكبيرة.

ردود الفعل اللبنانية وتصعيد الخطاب

من جهته، يندد حزب الله بإسرائيل لـ”خرق اتفاق وقف إطلاق النار” عبر عمليات الاغتيال التي تنفّذها في لبنان. كما نددت الحكومة اللبنانية بالضربات الإسرائيلية، معتبرة أنها “تقوض عمليات الجيش اللبناني في جنوب لبنان”، وطالبت إسرائيل “بالانسحاب من خمسة مواقع داخل الأراضي اللبنانية قرب بلدة الحديد”.

في المقابل، يحذر مسؤولون إسرائيليون الإدارة الأمريكية من أن استمرار حزب الله في “إعادة التسلح بالمعدل الحالي” سيجبر إسرائيل على “استئناف الحرب مجدداً”. هذا التصعيد المتبادل يؤكد على هشاشة الوضع الأمني في المنطقة.

الخلاصة:

إن الوضع الإقليمي المتوتر يتطلب تحليلاً دقيقاً وتقييماً مستمراً. فالخياران المطروحان على إسرائيل في مواجهة إيران – الحرب الشاملة أو الضغط الاقتصادي مع المفاوضات – يحملان مخاطر كبيرة. وفيما يتعلق بالملف اللبناني، فإن الحفاظ على الاتفاق الحالي وتجنب التصعيد هو أمر بالغ الأهمية. تُظهر هذه التطورات أهمية الدور الدبلوماسي الأمريكي في محاولة احتواء الأزمة وتعزيز الحوار بين الأطراف المعنية. تبقى المتابعة الدقيقة لهذه التطورات ضرورية لفهم مسارات الصراع المحتملة والفرص المتاحة لتحقيق الاستقرار في المنطقة. ما هي الخطوات التالية التي ستتخذها إسرائيل؟ وهل ستنجح الجهود الدبلوماسية في تخفيف التوترات؟ هذا ما ستكشفه الأيام القادمة.

شاركها.
اترك تعليقاً