قبل عام بالتمام والكمال، استضافت العاصمة السعودية الرياضة قمة عربية وإسلامية مشتركة لبحث الحرب الإسرائيلية على غزة، ولم تستطع تنفيذ ما تعهدت به، بل إن الحرب اشتدت وامتدت إلى لبنان، فهل تكون القمة اليوم مثل التي سبقتها؟
في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر من عام 2023، استضافت العاصمة السعودية الرياضة قمة عربية إسلامية “غير عادية” لبحث الحرب الإسرائيلية عربية، وخرج بيانها الختامي بقرارات لم تجد طريقها إلى التنفيذ.
واليوم، وبعد مرور عام كامل، تنعقد القمة نفسها في المكان ذاته، وبمشاركة الأشخاص أنفسهم تقريباً، ويتكرر الحديث عن أهمية مساعدة غزة، لكن اللافت أن الحرب استفحلت وتوسعت ووصلت مرحلة ترقى إلى الإبادة الجماعية، كما يقول خبراء الأمم المتحدة.
وليس هذا فحسب، بل فتحت إسرائيل حرباً ثانية في الشمال ضد حزب الله في لبنان، وصل العدد النازحين بسببها إلى 1.4 مليون لبناني، بحسب حكومة نجيب ميقاتي.
وبرزت شواهد متعددة تظهر تورط أطراف عربية في الحرب على غزة، ولم تعد تكتفي بمجرد الحياد.
قرارات غير منفذة
دعا البيان الختامي حينئذ إلى “كسر الحصار على غزة، وفرض إدخال قوافل مساعدات إنسانية عربية وإسلامية ودولية تشمل الغذاء والدواء والوقود إلى القطاع بشكل فوري”.
في الحقيقة، عملت إسرائيل على تشديد الحصار وسيطرت على معبر رفح الحدودي بين غزة ومصر في أيار/ مايو الماضي، مما جعل غزة معزولة بشكل تام عن العالم.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، انخفضت المساعدات التي سمحت إسرائيل بدخولها لغزة، ليصبح أقل الشهور التي شهدت مرور المساعدات لغزة.
ووصلت المساعدات إلى 30 شاحنة يومياً، يراد لها أن تلبي حاجات أكثر من مليوني إنسان في غزة، بينما كانت تدخل غزة قبل الحرب 500 شاحنة يومياً.
وبدلا من تنفيذ ما نص عليه بيان قمة العام الماضي من دعم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا”، فإن هذه الوكالة صارت الآن محظورة من العمل، بسبب قرارات حكومة بنيامين نتنياهو المتطرفة التي منعتها من العمل.
وشنت عدة دول غربية حملة على الوكالة، وقطعت التمويل عنها، لكنها سرعان ما عادت عن تلك القرارات، غير أن الوكالة أصبحت أضعف بكثير، ولم تمنحها الدول العربية والإسلامية ما يكفي من التمويل.
المشاركة في الحرب الإسرائيلية
كما طالب البيان “جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال التي يستخدمها جيشها والمستوطنون الإرهابيون في قتل الشعب الفلسطيني (…)”.
الواقع أن دولاً عربية مثل مصر سمحت برسو سفن تحمل ذخائر موجهة للجيش الإسرائيلي، مما جعلها متورطة بشكل مباشر في الحرب على الفلسطينيين في غزة والشعب اللبناني، كما تقول منظمات حقوقية دولية.
وذكرت منظمة العفو الدولية أن مصر سمحت برسو سفينة “كاثرين” في ميناء الإسكندرية أواخر تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وجاء ذلك على الرغم من خطر أن تسهم هذه الشحنة في ارتكاب جرائم حرب في غزة، بحسب المنظمة.
الموقف العربي المخفي مع الحرب على غزة
وكانت القمة العربية الإسلامية عام 2023 قد طالبت مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم “ملزم يفرض وقف العدوان ويكبح جماح سلطة الاحتلال الاستعماري التي تنتهك القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني وقرارات الشرعية الدولية”.
لكن محاضر الاجتماعات التي حصل عليها الصحفي الأمريكي الشهير، بوب وودورد، تظهر العكس.
وتقول تلك المحاضر التي تخص اجتماعات وزير الخارجية الأمريكي المنتهية ولايته، أنتوني بليكن، مع القادة العرب أن هؤلاء يؤيدون الحرب على حركة حماس والشعب الفلسطيني في غزة.
وجاء تأييد هؤلاء ومنهم العاهل الأردني وولي عهد السعودية والرئيس المصري، رغم أن الحرب في غزة تنطوي على إبادة جماعية، كما أن الحرب هناك تشكل واحدة من أقسى الحملات العسكرية في التاريخ، بحسب وكالة “أسوشيتد برس”.
انطلاق القمة الثانية
انطلقت القمة العربية الإسلامية في العاصمة السعودية الرياض، الاثنين، بمشاركة عدد من قادة وزعماء الدول العربية والإسلامي، لبحث سبل وقف إطلاق النار في غزة ولبنان.
وسعت القمة في بيانها الختامي إلى توحيد الموقف العربي الإسلامي في مواجهة التداعيات المستمرة للتصعيد الإسرائيلي في المنطقة، خصوصا ما يتعلق بحل الدولتين.
غير أن تنفيذ تلك القرارات يبقى محل تساؤل، خاصة مع وصول المرشح الجمهوري، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض مجدداً، إذ يرى مراقبون أن الدول العربية ستسعى إلى إرضاء ترامب وعدم إغضابه.
كلمة بن سلمان
وفي الجلسة الافتتاحية، دعا ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، المجتمع الدولي إلى “إلزام إسرائيل بالوقف الفوري للحرب”، وقال: “نحشد دعم المزيد من الدول لصالح حل الدولتين، ونرفض استمرار إسرائيل في جرائمها ضد قدسية المسجد الأقصى”.
ودعا ولي العهد السعودي “المجتمع الدولي إلى إلزام إسرائيل باحترام سيادة إيران الشقيقة”.
دعوة من عباس
ومن جانبه، وجه الرئيس الفلسطين محمود عباس إلى مجلس الأمن الدولي دعوة بتعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، كما دعا لفرض عقوبات عليها بسبب حربها في غزة ولبنان.
وقال عباس: إن “حرب الإبادة الإسرائيلية ضد الفلسطينيين مستمرة منذ عام بلا توقف، وقرار إسرائيل حظر وكالة الأونروا كارثي”.
وأضاف قائلا: “يجب تنفيذ قرار مجلس الأمن بوقف الحرب وانسحاب إسرائيل من غزة”، مؤكداً أن القطاع “يجب أن يكون تحت ولاية دولة فلسطين ومنظمة التحرير”.
وتابع: “يجب الحفاظ على الوضع التاريخي والقانوني في القدس”.
هل تكون القمة مثل تلك التي سبقتها؟
من السابق لأوانه الحكم عن القمة التي انتهت للتو.
لكن ثمة مؤشرات تظهر أن قادة الدول العربية والإسلامية يتحركون في الاتجاه نفسه.
ولم يصدر عن قادة الدول العربية والإسلامية ما يظهر نيتهم قطع علاقاتهم مع إسرائيل، كما أنهم لم يقولوا إنهم بصدد الضغط على مصالح الولايات المتحدة، التي نص نائب الرئيس الإيراني في خطابه على أنها الراعي الأبرز لإسرائيل.
وقال الأمين العام للجامعة العربية، أحمد أبو الغيط، أثناء قراءة البيان الختامي للقمة إنه سيكون هناك تحرك أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لتجميد عضوية إسرائيل.
من الناحية النظرية، يمكن تجميد عضوية إسرائيل في المنظمة الدولية، لكن ذلك سوف يصطدم بجدار مجلس الأمن الدولي.
ويقول موقع الأمم المتحدة على الإنترنت: “يجوز للجمعية العامة أن توقف أي عضو اتخذ مجلس الأمن قِبلَه عملاً من أعمال المنع أو القمع، عن مباشرة حقوق العضوية ومزاياها، ويكون ذلك بناء على توصية مجلس الأمن. ولمجلس الأمن أن يرد لذلك العضو مباشرة تلك الحقوق والمزايا”.
لكن من المؤكد أن الولايات المتحدة ستستخدم حق النقض “الفيتو” ضد أي قرار من هذا القبيل.