إطلاق سراح الصحافي إياد شربجي بعد توقيف مثير للجدل في سوريا، أثار نقاشاً واسعاً حول حرية التعبير في البلاد. أفرجت السلطات السورية، الإثنين، عن الصحافي إياد شربجي بعد توقيف دام نحو 24 ساعة على خلفية دعوى قضائية اتّهمته بـ”إثارة النعرات الطائفية والعرقية”، في قضية أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الإعلامية وسط تحذيرات من تراجع حرية الصحافة في سوريا. هذه الحادثة تسلط الضوء على التحديات التي يواجهها الصحفيون في التعبير عن آرائهم، خاصةً في ظل قوانين تعتبرها بعض الأطراف مقيدة.
تفاصيل توقيف وإطلاق سراح إياد شربجي
خرج شربجي من القصر العدلي في دمشق معلناً عبر مقطع مصور قصير نشره على صفحته في فيسبوك أنّه “أمضى نحو أربع إلى خمس ساعات في القصر العدلي، نقاشات وأخذ ورد، وانتهت القصة”. وأضاف لاحقاً: “سأتحدث بالتفصيل لاحقاً، لكن توضيح صغير لمن تعامل مع القصة بكيدية: المحامي العام أصدر أمر ترك، بمعنى طي الادعاء باعتباره باطلاً ولا أساس له”. وأشار إلى أن “قوانين بشار الأسد ما تزال تحكم سوريا من موسكو”.
ولفت شربجي إلى أن توقيفه لـ24 ساعة كان سيُمدّد ليوم آخر لولا مواجهته للمحامي العام بالحجة والأدلة لأكثر من ساعة، مشيراً إلى أنه سيتناول لاحقاً الجوانب القانونية المتعلقة بتوقيفه. هذا الإفراج، وإن كان مرحباً به، يثير تساؤلات حول الأسباب التي أدت إلى التوقيف في المقام الأول، وما إذا كانت هذه الحادثة تمثل محاولة لترهيب الصحفيين.
خلفية الاتهامات: تعليقات عن “جيل إدلب”
يعود أصل القضية إلى تعليقات سابقة لشربجي عبر منصات التواصل الاجتماعي، تحدّث فيها عن “جيل الألفية” الذي نشأ في محافظة إدلب خلال سنوات الحرب، ووصفه بأنه “نشَأ في بيئة طائفية سنية، يشاهد كل من حوله أعداء”، مضيفاً أن “هؤلاء مأزومون وبحاجة لعلاج”. وقوبلت هذه التصريحات بانتقادات من بعض المتابعين الذين اعتبروها إساءة لأهالي إدلب.
لكن شربجي أوضح لاحقاً أنّ كلامه قد فُهم خارج سياقه، مؤكداً أنّه لم يقصد الإساءة لأبناء المحافظة، بل سلّط الضوء على التحديات النفسية والاجتماعية التي واجهها جيل نشأ في ظروف استثنائية. هذا التفسير لم يمنع رفع دعوى قضائية ضده، مما يبرز حساسية الموضوع وتعقيداته. الجدل حول هذه التصريحات يعكس الانقسامات العميقة في المجتمع السوري، والصعوبة في معالجة قضايا حساسة مثل الهوية والانتماء.
قانون الجرائم المعلوماتية ودوره في القضية
ورفع المحامي رشيد عبد الجليل دعوى قضائية ضد شربجي تتهمه بـ”القدح والذم والتحقير العلني وإثارة النعرات الطائفية”، وطلبت النيابة العامة في دمشق تحريك الدعوى العامة، ما دفع إدارة الأمن الجنائي إلى استدعاء شربجي. القضية تستند إلى قانون الجرائم المعلوماتية، وهو قانون يثير جدلاً واسعاً في سوريا بسبب غموض بعض مواده، وإمكانية استخدامه لقمع حرية الصحافة والتعبير.
وكان شربجي قد أعلن قبل توقيفه أنه تبلّغ لدى وصوله مطار دمشق بوجود ادعاء ضده استناداً إلى قانون الجرائم المعلوماتية. هذا التوقيت، عشية الاحتفالات بإطاحة النظام السابق، يثير تساؤلات حول الدوافع السياسية المحتملة وراء التوقيف.
ردود الفعل والانتقادات
أثار توقيف شربجي موجة انتقادات من صحفيين وحقوقيين. واعتبرت رابطة الصحافيين السوريين أن التوقيف جاء “إثر تصريحات أدلى بها حول إدلب”، وطالبت بـ”ضرورة صون حرية التعبير وحماية الصحافيين من الملاحقات المرتبطة بآرائهم المهنية”. هذه الانتقادات تعكس قلقاً متزايداً بشأن تراجع الحريات العامة في سوريا.
ووصف المحامي والناشط الحقوقي ميشال شماس الاحتجاز بأنه “توقيف فعلي”، حتى لو لم يدم أكثر من يوم. وكتب الصحافي حازم داكل أن “الاتهامات الفضفاضة من نوع (تهديد السلم الأهلي وإثارة النعرات( تُستخدم هنا كأدوات تخويف، لا كمعايير قانونية واضحة”. هذه التصريحات تشير إلى أن هناك نمطاً من الملاحقات القضائية التي تستهدف الصحفيين والناشطين الذين ينتقدون السلطات.
موقف شربجي وانتقاداته للسلطة
يُعرف شربجي بمواقفه النقدية للسلطات الجديدة تحت قيادة الرئيس الانتقالي أحمد الشرع، حيث يبث مقاطع فيديو يعبّر فيها بجرأة عن رؤيته لمستقبل سوريا، ويدعو إلى دولة تمثّل جميع مكوّناتها. خلال زيارته الحالية لدمشق، ظهر ضيفاً على برنامج حواري عبر التلفزيون الرسمي، وعلق على العرض العسكري الذي أقامته السلطات، معبّراً عن أسفه لغياب شعارات الثورة وازدياد الخطاب الديني، قائلاً: “لم أشعر حقيقة أنه جيش بلدي”.
لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطات السورية حول الواقعة، فيما لا يزال قانون الجرائم المعلوماتية سارياً في سوريا، ويشير مراقبون إلى استخدامه في قضايا تمتد من التعبير الرقمي إلى النقد السياسي، في ظل بيئة إعلامية لا تزال تحمل إرثاً ثقيلاً من القيود الأمنية. هذا الصمت الرسمي يزيد من الغموض حول القضية، ويؤجج المخاوف بشأن مستقبل حرية التعبير في سوريا.
في الختام، يمثل توقيف وإطلاق سراح إياد شربجي حالة تعكس التحديات المستمرة التي تواجه حرية التعبير في سوريا. من الضروري مراقبة التطورات في هذا الملف، والدعوة إلى صون حقوق الصحفيين والناشطين، وضمان بيئة إعلامية حرة ومستقلة. هذه القضية تذكرنا بأهمية الدفاع عن حقوق الإنسان والحريات الأساسية في سوريا، والسعي نحو بناء مجتمع ديمقراطي يحترم التنوع والتعبير عن الرأي.


