كرواتيا تشهد احتجاجات واسعة ضد صعود اليمين المتطرف وتزييف التاريخ

شهدت العاصمة الكرواتية زغرب، وعدد من المدن الأخرى، مسيرات حاشدة يوم الأحد، شارك فيها الآلاف للتعبير عن قلقهم المتزايد إزاء اليمين المتطرف في البلاد، ومحاولات متزايدة لتبرير إرث الحرب العالمية الثانية المرتبط بحركة أوستاشا الفاشية. هذه التظاهرات تأتي في وقت حرج، حيث تتصاعد المخاوف من تجدد العنف العرقي وتأثير الأيديولوجيات اليمينية على المشهد السياسي الكرواتي.

تصاعد نشاط الجماعات اليمينية المتطرفة في كرواتيا

تشهد كرواتيا، خلال الأشهر الأخيرة، علامات واضحة على تنامي نفوذ الجماعات القومية اليمينية. لم يقتصر الأمر على الخطاب المتطرف، بل تعداه إلى أفعال استفزازية تستهدف بشكل خاص الأقلية الصربية. وتشمل هذه الأفعال اقتحام فعاليات ثقافية صربية، وقيام أفراد بتقديم تحية “زدرّافو زار سيلي!”، وهي التحية الرسمية لحركة أوستاشا التي ارتكبت جرائم فظيعة خلال الحرب العالمية الثانية.

حوادث استفزازية تثير القلق

في مطلع شهر نوفمبر، اهتزت مدينة سبليت إثر اقتحام مجموعة من الأشخاص المقنعين فعالية ثقافية صربية وقدموا التحية الفاشية. هذا الحادث أثار موجة من الإدانات وذّكر بالكراهية العرقية التي تسببت في صراع دموي خلال حرب التسعينيات.

كما أثار حفل موسيقي للمغني اليميني ماركو بيركوفيتش “تومبسون” جدلاً واسعاً. فقد استخدم “تومبسون”، الذي يحظى بشعبية كبيرة بين بعض الكروات، شعاراً تاريخياً مرتبطاً بالحرب العالمية الثانية في إحدى أغانيه الشهيرة، بينما ارتدى جمهوره رموزاً فاشية. على الرغم من حظر حفلاته في بعض المدن الأوروبية، إلا أنه يتمتع بدعم كبير داخل كرواتيا.

ردود الفعل الرسمية والانتقادات

أثارت هذه الأحداث ردود فعل متباينة من المسؤولين الكروات. فقد نفى رئيس الوزراء أندريه بلينكوفيتش تجاهل صعود التطرف اليميني وخطاب الكراهية، متهماً في الوقت ذاته معارضيه من اليسار بتضخيم المشكلة. لكن هذه التصريحات لم تهدئ المخاوف المتزايدة، حيث يرى الكثيرون أن الحكومة لا تتخذ إجراءات كافية لمواجهة هذه الظاهرة.

تسييس التاريخ في البرلمان

تصاعدت الأزمة أيضاً داخل البرلمان الكرواتي، حيث أدى نائبان التحية الفاشية خلال الجلسات الرسمية. بالإضافة إلى ذلك، استضاف البرلمان في أكتوبر الماضي طاولة مستديرة اتسمت بالتضييق من عدد ضحايا معسكرات الاعتقال الكرواتية خلال الحرب العالمية الثانية، ما أثار انتقادات شديدة من قبل المؤرخين وناشطي حقوق الإنسان على المستويين المحلي والدولي. هذه المحاولات لتغييب الحقائق التاريخية اعتبرت بمثابة محاولة لـ تبييض التاريخ وإعادة تأهيل إرث الفاشية.

مطالب المتظاهرين ورؤيتهم للمستقبل

رفع المتظاهرون خلال مسيراتهم لافتات وشعارات تؤكد على رفضهم للفاشية والعنصرية. وأصدر منظمو المسيرة بياناً أكدوا فيه أن “الفاشيين لم يعودوا يخجلون أو يختبئون”، داعين إلى مقاومة “العنف، وتزوير التاريخ، ومحاولات الترهيب”. وشددوا على أنهم “لن يقبلوا بفكرة للوطنية تستمد رموزها من أحلك فترات تاريخنا”.

وطالب المتظاهرون بحماية حقوق الأقليات القومية، ورفض أي محاولة لتقديم رموز الفاشية كجزء من الهوية الوطنية. كما دعوا إلى إعادة تقييم نقدي لتاريخ الحرب العالمية الثانية في كرواتيا، وتعزيز قيم الديمقراطية والتسامح.

السياق التاريخي والصراع القومي

تعود جذور هذا الصراع إلى تاريخ كرواتيا المضطرب. فبعد الحرب العالمية الثانية، أصبحت كرواتيا جزءاً من يوغوسلافيا الشيوعية. ولكن في التسعينيات، انقسمت يوغوسلافيا في سلسلة من الحروب القومية التي شهدت صراعاً دموياً بين الكروات والصرب. خلال هذه الحرب، تمرد الصرب الأقليات وسيطروا على أجزاء من الأراضي الكرواتية بهدف الانضمام إلى صربيا، وأسفر الصراع عن مقتل أكثر من 10 آلاف شخص.

هذه الحرب تركت ندوباً عميقة في المجتمع الكرواتي، ولا تزال تداعياتها محسوسة حتى اليوم. وإعادة إحياء الرموز الفاشية والخطاب المتطرف يهدد بتقويض جهود المصالحة وإشعال فتيل العنف مرة أخرى.

مستقبل كرواتيا في ظل تحديات التطرف

إن صعود اليمين المتطرف في كرواتيا يمثل تحدياً كبيراً للاستقرار الديمقراطي والتنوع الاجتماعي في البلاد. يتطلب التصدي لهذه الظاهرة جهوداً متضافرة من الحكومة والمجتمع المدني والمؤسسات التعليمية، لتعزيز قيم التسامح والمساواة، ومكافحة خطاب الكراهية و تزييف التاريخ. بالإضافة إلى ذلك، من الضروري إجراء تحقيق شامل في حوادث العنف والتحريض على الكراهية، ومحاسبة المسؤولين عنها. فمستقبل كرواتيا يعتمد على قدرتها على مواجهة ماضيها بصدق وشجاعة، وبناء مجتمع يقوم على أساس الاحترام المتبادل والتعايش السلمي.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version