في ظل تصاعد التوترات السياسية وتداعيات الحرب في غزة، يواجه سكان حي بطن الهوى في القدس الشرقية تهديدًا حقيقيًا بالتهجير القسري. هذا الحي، الذي يقع جنوب البلدة القديمة، أصبح بؤرة صراع بين السكان الفلسطينيين الأصليين ومنظمات استيطانية إسرائيلية، مما يثير مخاوف دولية بشأن مستقبل القدس الشرقية المحتلة. هذا المقال يتناول تفاصيل الأزمة في بطن الهوى، الآليات المتبعة في محاولات التهجير، وتأثير الحرب على تسريع هذه الإجراءات.

خطر التهجير الوشيك لسكان بطن الهوى

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية عن وضع مأساوي يواجهه حوالي 175 فلسطينيًا في حي بطن الهوى، حيث يخشون فقدان منازلهم بشكل وشيك. وتصف الصحيفة هذا الوضع بأنه قد يكون “أكبر عملية طرد منسّقة لحيّ فلسطيني منذ احتلال القدس عام 1967”. القصص الإنسانية المؤلمة للسكان، بمن فيهم الأطفال وذوو الإعاقات، تلقي الضوء على القسوة التي قد تنجم عن هذه الإجراءات.

زهير رجبّي، أحد سكان الحي، يجسد هذا اليأس. بعد أكثر من عقدين من المعارك القانونية للدفاع عن منزله الذي بناه جده عام 1965، يرى رجبّي أن كل جهوده قد ذهبت سدى. يعيش رجبّي مع عائلته الكبيرة، التي تضم 52 فردًا، بمن فيهم أشقائه ووالدته وعدد كبير من الأطفال، اثنان منهم يعانون من إعاقات شديدة. الخوف الأكبر لديه ليس فقط فقدان منزله، بل تفكك عائلته وتشتتها.

آلية التهجير: دور المنظمات الاستيطانية والمحاكم

عملية التهجير في بطن الهوى ليست عشوائية، بل تتم عبر آلية منظمة تشمل منظمات يمينية إسرائيلية، وقرارات قضائية، وتاريخًا قانونيًا مُوظّفًا. تعتبر منظمة “عَتِرِت كوهانِيم” من أبرز الجهات الفاعلة في هذا السياق، حيث تتبنى هدف “استرداد الأراضي الحضرية في القدس”.

تستند حجج هذه المنظمة إلى ادعاء بأن الحي بني على أرض وقف خيري يعود إلى يهود يمنيين في أواخر القرن التاسع عشر، وأن السكان الأصليين قد أُجليوا في ثلاثينيات القرن الماضي. وبعد إعادة تنشيط الوقف قبل عقدين تقريبًا، تمكن محامو المنظمة من إقناع المحاكم الإسرائيلية بأن ملكية الوقف السابقة تتفوق على أي حقوق ملكية لاحقة. هذا يعتمد على قانون إسرائيلي صدر عام 1970، والذي يمنح الأولوية للمطالبات المتعلقة بالأراضي قبل عام 1948.

بالإضافة إلى ذلك، حصل الوقف على ملكية بعض المباني من خلال صفقات مع مالكيها، لكن ظروف هذه الصفقات لا تزال غامضة وتثير جدلاً. وتؤكد المنظمة أنها “تنسّق” مع الوقف، وأنها قد أسكنت بالفعل حوالي 40 عائلة يهودية في الحي.

الحرب على غزة وتصعيد الإخلاءات في القدس

يشير رجبّي إلى أن الحرب في قطاع غزة قد ساهمت بشكل كبير في تسريع عمليات الإخلاء في بطن الهوى. ففي ظل انشغال العالم بالصراع في غزة، أصبحت عمليات الإخلاء في القدس الشرقية أقل وضوحًا وأكثر سهولة في التنفيذ. ويقول رجبّي: “لو لم تكن هناك حرب، لربما شهدتَ عملية إخلاء واحدة كل عشر سنوات، بدلاً من خمس عمليات خلال 15 شهرًا. الحرب خلقت جواً يسمح بتمرير هذه الإجراءات… وجوّاً من الكراهية”.

هذه الديناميكيات تتفاقم في ظل وجود حكومة إسرائيلية تعتبر “الأكثر يمينيةً في تاريخ البلاد”، والتي تضم وزراء يعارضون بشدة وجود الفلسطينيين في القدس ويدعمون توسيع المستوطنات. هذا الدعم السياسي يمنح المنظمات الاستيطانية قوة أكبر ويشجعها على المضي قدمًا في خططها.

مستقبل غامض وتشبث بالأمل

على الرغم من الوضع القاتم، تحاول داهرين، ابنة رجبّي البالغة من العمر 15 عامًا، التمسك بذكرياتها وأملها في المستقبل. وتقول للغارديان: “كلّ حجرٍ هنا ذكرى لي. أنا قلقةٌ جداً من أن نتفرّق كعائلة، وأن أبتعد عن أصدقائي. لكنّي سآخذ قطّتي معي مهما حدث”.

لكن العائلة لا تملك خطة بديلة واضحة، حيث سيكون من الصعب العثور على مسكن مناسب في القدس يستوعب جميع أفرادها. هذا يعكس التحديات الكبيرة التي يواجهها الفلسطينيون في القدس الشرقية، والذين يجدون صعوبة متزايدة في الحفاظ على وجودهم في المدينة.

تحذيرات حقوقية من “تهجير منسّق”

تؤكد منظمة “إير عميم”، وهي منظمة غير حكومية مقرها القدس، أن رجبّي وعائلته ليسوا وحدهم في هذا الخطر. فقد صرحت المنظمة بأن 34 عائلة فلسطينية، أي ما يقرب من 175 شخصًا، تواجه “تشريداً وشيكاً واستيلاءً منسّقاً من قبل مستوطنين على منازلهم”.

وتصف آيمي كوهين، المتحدثة باسم المنظمة، الوضع بأنه قد يؤدي إلى “أكبر عملية طرد ومنسّقة بين الدولة والمستوطنين لحيٍّ فلسطيني في القدس الشرقية المحتلّة منذ 1967”. هذا التحذير يثير قلقًا بالغًا بشأن مستقبل القدس الشرقية والوضع القانوني والإنساني لسكانها الفلسطينيين.

في المقابل، يرى دانيال لوريا، المتحدث باسم “عترِت كوهانِيم”، أن مقاومة السكان هي مجرد “معركة كاستر الأخيرة”، معتبرًا إياهم “محتلّين غير شرعيين”. هذا التصريح يعكس مدى التناقض في وجهات النظر بين الطرفين، ويؤكد على الحاجة إلى تدخل دولي لحماية حقوق الفلسطينيين في بطن الهوى والقدس الشرقية بشكل عام.

في نهاية المطاف، يصر رجبّي على أن وجود عائلته في بطن الهوى ليس احتلالاً، بل هو جزء من تاريخهم وهويتهم: “نحن هنا منذ عقود. والآن، يريدون محو ذكرياتنا مع كلّ حجر”. هذه الكلمات تلخص المعاناة العميقة للسكان الفلسطينيين في القدس الشرقية، والذين يواجهون خطر فقدان منازلهم وأراضيهم وثقافتهم. يتطلب هذا الوضع اهتمامًا دوليًا عاجلاً وجهودًا مكثفة لحماية حقوقهم وضمان مستقبلهم في المدينة.

شاركها.
اترك تعليقاً

Exit mobile version